ذاته ، ثم عقب ذلك خلق السموات ليذكّرنا تمام قدرته وحكمته. وربط هاتين الآيتين بالآيات السابقة ظاهر.
التفسير
قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ). تعيير وتوبيخ ؛ يعني أنه لا ينبغي لكم أن تكفروا بالله والحال ان موتكم وحياتكم تحت قدرته وإرادته. وإنما ذكرهما ، لأنهما من الوجدانيات وإنكار خالقهما يرجع إلى إنكار الوجدان والجمع بين النقيضين.
قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ). ذكر المفسرون في الموت والحياة أقوالا :
منها : أن المراد بالموت هنا العدم السابق على الوجود أي : كنتم معدومين فأوجدكم ، وظاهر القرآن ينفي هذا الاحتمال.
ومنها : عدم الحياة عمّا من شأنه الحياة ، كالنطفة ، والعلقة ، والمضغة ، ونحوها من الأطوار التي تعرض على الإنسان في بدء خلقه حتّى يصير خلقا جديدا.
ومنها : أنّ المراد بها الموت الحكمي ، لا الحقيقي ، إذ الإنسان حين ولادته لا اسم له ، ولا شهرة له عند النّاس ثم يصير مشهورا عندهم ، ولم يأت كل منهم في ما ذكروه بدليل يدل عليه.
والأولى الحمل على الجميع ، فإن للحياة بمراتبها المختلفة من النباتية والحيوانية والإنسانية جامعا قريبا وهو الحركة والحس ، وللموت أيضا بمراتبه الكثيرة جامعا قريبا ، وهو الوقف والسكون ، والله تعالى هو القادر على إيجاد أصلهما وسائر جهاتهما وخصوصياتهما ، فإن الإنسان من بدء خلقه إلى نشوره ووقوفه بين يدي رب العالمين ، وفي جميع أطواره وحالاته ، بل جميع شؤونه وتبدلاته مورد علمه وقدرته وإرادته وهذا هو معنى الربوبية العظمى التي أشرنا إليها في قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) [سورة الحمد ، الآية : ١] وإذا كان هذا شأنه معكم ، وكان لكم التفات إلى هذه الجهة ولو إجمالا كيف تكفرون