بالله ، فتكون هذه الآية الشريفة مثل قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٢].
قوله تعالى : (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). أي يميتكم بقبض الأرواح حين انقضاء الآجال ، ثم يحييكم حياة ثانية ثم اليه ترجعون لأخذ جزاء أعمالكم ، هذا بحسب كليات الموت والحياة والرجوع إليه تعالى. وأما بحسب الخصوصيات ـ كالزمان الفاصل بينهما ـ فلا يعلمها إلّا الله تعالى.
والفرق بين الحياة الأولى والحياة الثانية بعد اتحاد المبدأ والمرجع فيهما ، وعدم الفرق بينهما من هذه الجهة : أن الحياة الأولى مؤقتة والثانية أبدية دائمية ، وأن التبدل في الصورة فالأعمال في الدنيا ـ خيرا كانت أو شرا ـ عرض قائم بالغير ، وفي الآخرة جوهر قائم بالذات فالعامل والعمل فيهما واحد ؛ والاختلاف إنما هو في صورة العمل. وأن الحياة الأخرى أكمل من الأولى للإنسان إن عمل صالحا في الدنيا وأدون إن كان شرا ، وسيأتي تتمة الكلام في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
وبعد أن بيّن سبحانه بعض آياته في الأنفس فتفضل على الإنسان بنعمة الإيجاد ، ثم بنعمة الموت ، ثم الحياة ، ثم الرجوع اليه ليصل كل واحد إلى ما أعده لنفسه من الأعمال ذكر سبحانه بعض نعمه في الآفاق.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). بيان لما مر من قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤] ، لأن من لوازم جعل الأرض فراشا للإنسان أن يكون جميع ما في الفراش مهيئا للانتفاع به ، وكذا قوله تعالى : (سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) [سورة الحج ، الآية : ٦٥].
والخلق بمعنى التقدير المستقيم ، ويستعمل في الإبداع أيضا ، كقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [سورة الفرقان ، الآية : ٥٩] بقرينة قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٧] ؛ وفي إيجاد شيء من شيء كقوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) [سورة