النحل ، الآية : ٤] ، وكذا قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [سورة العلق ، الآية : ٢] وجميع هذه الاستعمالات من المشترك المعنوي لوجود الجامع القريب فيها ، وهو التقدير المستقيم. والمراد بالخلق هنا التقدير أي : قدّر الله تعالى أن يكون ما في الأرض لأجل انتفاع الإنسان ، والتقدير مقدم عن الإيجاد وكل موجود مقدر ، وليس كل مقدر موجودا ، لجريان البداء في مرتبة التقدير والقضاء ، كما يأتي.
وخلق ما في الأرض إما لأجل الانتفاع به انتفاعا ماديا صحيحا بكل وجه يتصور ، أو عقليا كالنظر والاعتبار ، كما قال علي (عليهالسلام): «خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا به ، وتتوصلوا به الى رضوانه ، وتتوقوا به من عذاب نيرانه».
ثم إنه يستفاد من هذه الآية المباركة ، وغيرها من الآيات كثرة عناية الله تعالى بالإنسان ، وقد افتخر به على سائر خلقه كما في قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٤] ، بل جعله غاية خلق الموجودات ، وجعل الطبيعة مسخرة بين يديه ، وأفاض عليه من علومها وأسرارها لأن ينتفع بها ويستفيد من جميع ما يمكن الاستفادة منه.
قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ). مادة (س وي) تدل على المساواة والمعادلة ، وتختلف الخصوصيات باختلاف الاستعمالات ، فإذا عديت ب (على) أفادت معنى الاستيلاء عن عدل وحكمة ، كما في قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [سورة طه ، الآية : ٥] أي استيلاء علم وحكمة وتدبير وإتقان ، فيكون ما سواه من صنع الله الذي أتقن كل شيء ، وإذا عديت ب (إلى) اقتضى القصد والشروع ، والأخذ المشتمل على أتم أنحاء التدبير ، قال علي (عليهالسلام): «أخذ في خلقها وإتقانها».
وقد استعملت هذه المادة بهيئاتها المختلفة في القرآن الكريم قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [سورة الأعلى ، الآية : ٢] وقال تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [سورة ص ، الآية : ٧٢] والخلق أعم من التسوية.