والمعنى : أنه قصد خلق السماء ، وأراد ذلك بأتم أنحاء التدبير وأحسن جهات التنظيم فجعلهنّ سبع سموات متقنات ، وسيأتي بيان عدد السبع في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن خلق الأرض قبل خلق السماء. ولكن عرفت أن الخلق غير التسوية ، فإن في الأرض جهات كثيرة وفي السماء أيضا كذلك ، فكل منهما من الأمور الإضافية ويصير خلق تلك الجهات أيضا كذلك. وحينئذ لا منافاة بين ذلك ، وقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [سورة النازعات ، الآية : ٢٧ ـ ٣١] ، فإن خلق السماء في هذه الآية المباركة مقدم من حيث الاستواء والإتمام. وخلق الأرض مؤخر من حيث فعلية نظمها ، وجري أنهارها ودحوها ونحو ذلك. وفي الآية السابقة أن خلق الأرض مقدم من حيث أصل التقدير فلا تضاد بينهما.
قوله تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). الشيء من ألفاظ العموم بل لا أعم منه. وعن بعض اللغويين إن لفظ عليم للمبالغة وليس لمجرد الوصف الثابت. وقد عدّي بلفظ (باء) ، مع أنه متعد بنفسه ، لقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [سورة الممتحنة ، الآية : ١٠] لإظهار الزيادة في العلم والمعلوم.
وفي القرآن آيات كثيرة دالة على إحاطته بما سواه علما وقدرة ومن سائر الجهات ولعل أبلغ هذه التعبيرات بالنسبة إلى المخاطبين قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) [سورة النساء ، الآية : ٣٣] ، إذ الشهود والعيان أخص عندهم من العلم وإن كان لا فرق بينهما بالنسبة إليه تعالى.
بحث فقهي :
استدل الفقهاء بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) لإثبات الإباحة المطلقة في جميع الأشياء إلّا ما دل دليل بالخصوص على تحريمه ، وتمسكوا بغيرها من الآيات المباركة أيضا على ما سيأتي ، وبالروايات ، بل والعقل ، وبينوا في علم الأصول ما يتعلق بذلك.