وعلى أي تقدير ف (الله) هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى التسعة والتسعين أو الثلاثمائة وستين التي من أحصاها دخل الجنّة على ما رواه الفريقان ، وهذه الأسماء المباركة منطوية في لفظ الجلالة انطواء الشعاع في نور الشمس مع المسامحة في هذا التشبيه.
قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
هما من الرحمة ومن مشتقاتها ، ورحمته عزوجل أعم صفاته وأوسعها شملت جميع ما سواه قال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٦] فكلما يطلق عليه شيء في جميع العوالم يكون من رحمته تعالى ، وإشكال أن الشر يطلق عليه الشيء أيضا فلا بد وأن يكون من رحمته تعالى مردود بأنه ليس في التكوينيات شر محض وإنما يتحقق الشر بالإضافة ـ على ما يأتي ـ. وأما في الاختياريات فإن وساطة الاختيار بين الفعل والفاعل يجعل الشر باختيار الفاعل فلا يكون من رحمته تعالى كما في قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [سورة النساء ، الآية : ٧٩]. وسيأتي تفصيل هذا البحث المفيد مستقلا إن شاء الله تعالى في الآيات المناسبة له.
وفي قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [سورة لقمان ، الآية : ٢٧] إشارة إلى مظاهر رحمته الواسعة ، وقد اعترف الأنبياء (صلى الله عليهم) والأئمة (عليهمالسلام) وجميع الفلاسفة المتألهين بالقصور عن الإحاطة بمراتب رحمته تعالى الواسعة وإن بعض عظمائهم أطال القول في أن وجود كل شيء من رحمته تعالى وأثبت ذلك بالأدلة الكثيرة ومع ذلك اعترف بالقصور عن دركها ، وسيأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة لها.
ثم إنّ هاتين الكلمتين من الصفات المشبهة إلّا أنّهم فرّقوا بينهما بوجوه :
الأول : أن الرحمن مبالغة والرحيم صفة مشبهة يدل على مجرد الثبوت هذا وإن كان صحيحا بالنسبة إلى ذات اللفظين حين الإطلاق على المخلوق. وأما