عليك فاجتمع في هذا التعبير صفات الجلال والجمال ، والتقديس بمعنى التنزيه ـ كما عن جمع من اللغويين والمفسرين ـ والتطهير المعنوي عن النقائص ، وقد استعمل في القرآن كل منهما بالنسبة إليه تعالى قال جلّ شأنه : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) [سورة الحشر ، الآية : ٢٤].
ويمكن التفريق بينهما بجعل الأول بالنسبة إلى الذات الأقدس ، فهو تعالى منزه عن كل نقص ، والثاني بالنسبة إلى الفعل ، ففعله منزه عن كل نقص ، لكونه صادرا عن الحكمة البالغة. ويمكن أن يقال : إن معنى نقدس لك أي نطهر أرضك من الفساد والمعاصي.
والمعنى : أتستخلف في الأرض من هو على هذه الصفات من الإفساد وسفك الدماء ، ونحن المعصومون نسبح بحمدك ونقدس لك ، فالغاية المتوخاة من جعل الخليفة موجودة فينا دون غيرنا فزعموا أن التسبيح والتقديس فقط هو المقصد الأصلي من الخلق وليس فيهم سبب الفساد ، لأنهم متحدوا القوى وليست لهم قوى متخالفة.
ثم إنه يمكن أن يكون منشأ سؤال الملائكة هذا أحد أمور :
الأول : علمهم بأنّ الدار دار الكون والفساد والإنسان مركب من قوى متضادة متخالفة من الشهوة والغضب ، والقوة والضعف ، ونحو ذلك ، ومن كان هذا حاله وهو في دار الكون والفساد ، والمادة يلازمه سفك الدماء والإفساد ، فيكون قولهم من باب كشف الملزوم عن اللازم وهو صحيح.
الثاني : حصول ذلك من حمل المستقبل على الماضي الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء ، فحصل لهم العلم بذلك من التجربة.
الثالث : أنّ حب النفس فطري في كل ذي حياة فحبهم لنفسهم أوقعهم في هذا القول ، ولكن هذا الوجه ينافي مقام عصمتهم.
الرابع : أنه بعد إخبارهم بأنه سيجعل في الأرض خليفة عجبوا كيف يمكن أن يكون المصنوع من التراب خليفة رب الأرباب ، مع أنّ الله تعالى أخبرهم أن في ذريته من يفسد ويسفك الدماء ، كما في بعض الأخبار ، وغفلوا