عن الحكمة.
ومن ذلك يظهر أن سؤال الملائكة ليس من الاعتراض عليه تعالى بل كان من مجرد الاستفهام لما خطر في نفوسهم وكان همهم معرفة الحكمة والسر في استخلاف هذا المخلوق ، ولذا سكتوا حين أعلمهم بذلك فقال تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ). فأعلمهم بأنه لا نسبة بين العلم الحاصل من الأسباب الظاهرية مع العلم بحقائق الأشياء وأسرارها ، فإن في هذا المستخلف أسرارا لم تكن في غيره ، وكأنهم غفلوا عن أن الخير الكثير لا يمنعه الشر القليل ، فيكون قوله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أي : أعلم أن الشر القليل ـ لو فرض ـ لا يمنع عن الخير الكثير. نظير من يريد أن يصنع سفينة تجري في البحار وتنفع الناس ، فلا يهتم بالحوادث والآفات التي تجري عليها في عالم الكون والفساد.
وفي تقديم آية (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) على قصة آدم تفضل منه تعالى حيث أعد لبني آدم جميع ما في الأرض ، ثم خلقهم كما أعد الجنّة للمتقين قبل ورودهم لها.
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣))
بعد ما ذكر سبحانه وتعالى ما يتعلق بخلق الخليفة في الأرض شرع في هذه الآيات بيان فضله لأنه ملازم لخلقه وحياته وإنما ابتدأ بالتعليم له لتلازم الحياة مع العلم كما سيأتي في البحث الدلالي.
التفسير
قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها). وردت هذه الهيئة من مادة العلم في موارد كثيرة من القرآن الكريم قال تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)