فضله بما أفاض الله تعالى عليه علم الأسماء ، وجعله خليفته في الأرض.
وأما ذكر «هؤلاء» بعنوان الإشارة إلى الحاضرين فيمكن أن يكون لبيان رفعة مقام المسميات بخصوص هذه الأسماء دون غيرها فكأنهم حاضرون في جميع العوالم ، وقد عبّر عن خصوص هذه المسميات جمع من الفلاسفة بأرباب الأنواع ، وجمع آخر بالمثل الأفلاطونية.
قوله تعالى : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا). كلمة «سبحانك» تقال في مقام التوبة كما في قوله تعالى : (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٧] ، وقوله تعالى : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٤٣].
وأما قوله تعالى : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) اعتراف منهم بالعجز والقصور ، وان علمهم لا يحيط بجميع المسميات وفيه ثناء على الله تعالى ، لأنهم أثبتوا العلم له عزوجل ونفوه عن غيره وأنه المفيض عليهم بالعلم على قدر القابليات والاستعدادات.
قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). تأكيد منهم على حصر العلم بالنسبة إلى ذاته ، وللحكمة بالنسبة إلى فضله ومادة (ح ك م) في أية هيئة استعملت تفيد الإتقان والإحكام والإتمام. وأصل الحكمة منه تعالى معرفة الأشياء ، وإيجادها بالإحكام والإتقان الواقعي ، وهي منبعثة عن العلم بالحقائق. وإذا أطلقت بالنسبة إلى الإنسان ففي اصطلاح الفلاسفة : هي العلم بحقائق الأشياء على حسب الطاقة البشرية. وفي اصطلاح المفسرين : معرفة الأشياء وفعل الخير وقالوا منه قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) [سورة لقمان ، الآية : ١٢] ، ويأتي في قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٦٩] بعض الكلام.
وإذا أضيفت الى القرآن كقوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) [سورة القمر ، الآية : ٥] فانما يراد بها الاشتمال على الآيات والقوانين المحكمة. ويطلق الحكم على الحكمة أيضا ، كما نسب إلى النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «الصمت حكم وقليل فاعله».