ومن هذا الجواب يستفاد أنّ سؤالهم لم يكن من الخصومة والجدال بل كان سؤال مستفسر مستوضح ، ولذا رجعوا إلى ما كان قد غفلوا عنه ، وفوّضوا الأمر إليه تعالى بعد ما تبين لهم الحال.
وفي هذه الآية المباركة جملة من الآداب بين السائل والمجيب ففيها إيماء إلى أن الإنسان يجب أن لا يغفل عن كونه مخلوقا ناقصا مهما بلغ من الكمال ، وأن لا يأنف من الاعتراف بالجهل إذا كان لا يعلم ، وأن لا يكتم العلم إذا كان يعلم ، ويجب عليه أن يحفظ مقام معلمه في تواضع وأدب.
قوله تعالى : (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ). أي أعلمهم بالأسماء التي عجزوا عن علمها ، وإيكال تعليم الملائكة الى آدم (عليهالسلام) يدل على أفضلية مرتبة الخلافة عنهم. وقد نادى الله سبحانه جملة من أنبيائه في القرآن العظيم بأسمائهم العلمي فقال تعالى : (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) [سورة هود ، الآية : ٤٨] ، وقال تعالى : (يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) [سورة الصافات ، الآية : ١٠٥] ، وقال تعالى : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) [سورة القصص ، الآية : ٣١] ، وقال تعالى : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٦]. وأما سيد الأنبياء فلم يخاطبه عزوجل إلّا بأوصافه فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) [سورة الأنفال ، الآية : ٦٤] أو (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) [سورة المائدة ، الآية : ٤١] و (طه) و (يس) فيكون له سبحانه وتعالى معه (صلىاللهعليهوآله) أدب ، وللرسول معه عزوجل حالات خاصة.
قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ). يدل على أن استكمال الملائكة بالعلم إنما يكون بواسطة أنبياء الله وحججه ولا محذور فيه بل الأدلة العقلية والنقلية تؤيد ذلك.
ولعل من اسرار نزول الملائكة في ليلة القدر ـ أو مشايعتهم لبعض السور حين نزولها على النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ـ هو الاستفادة مما ينزل على النبي ، أو ولي الأمر ، وعلى هذا يكون بين الملائكة اختلاف في الفضل حسب كثرة حشرهم ومخالطتهم مع الأنبياء والحجج وقلته ، وللكلام