فالحق أن يقال : إنّ المراد من الجمع والتأكيد الإضافي منهما أي ما كان في عصر خلق آدم (عليهالسلام) ، وما كان مورد احتياجه في مدة حياته ثم بعد ذلك استحدثت لغات ولهجات وألفاظ بالجعل والوضع تخصيصا أو تخصصا ، وهذا هو الذي يمكن استفادته من مجموع الروايات بعد رد بعضها إلى بعض ، وهو قريب من الأذهان ، وبه يمكن الجمع بين بعض الوجوه المتقدمة.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤))
بعد أن جعل الله تعالى آدم (عليهالسلام) خليفة له ، وبيّن فضله بما علّمه وجعله معلما لملائكته أمرهم بالسجود له ، وهذه فضيلة أخرى لآدم (عليهالسلام).
التفسير
السجود هو التذلل والخضوع ، وفي الشريعة وضع الجبهة على الأرض خضوعا لله تعالى ، وبينه وبين المعنى اللغوي جامع قريب في التذلل. وهو تارة اختياري تعبدي على الوجه المعروف لدى المسلمين يوجب الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة ، كقوله تعالى : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) [سورة النجم ، الآية : ٦٢]. وأخرى : تسخيري تكويني. كسجود المخلوقات كما في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [سورة الرعد ، الآية : ١٥].
ومادة (بلس) سواء أكانت عربية أم معربة تدل على الحزن العارض من شدة اليأس ، ويلازمه اليأس من الروح والراحة. قال تعالى : (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٤٤] ولعل حزن إبليس الدائم. ويأسه الأبدي حصل من قوله تعالى : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [سورة الحجر ، الآية : ٣٤] فإن الرجم واللعن الأبدي من منبع الجود والرحمة من المبغوضات لكل ذي شعور.