البحث الروائي.
هذا ويمكن أن نقول بأنّ سجود الملائكة لآدم (عليهالسلام) يكون كاشفا عن تسخير الله تعالى أشرف مخلوقاته له وهم الملائكة الذين جعلهم الله تعالى حفظة للإنسان ، ووكّلهم في شؤون الأرض فيكون تسخير غيرهم لآدم (عليهالسلام) بالأولى ، وسيأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ). المراد بالملائكة هنا جميعهم لوجود القرينة على التعميم في قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [سورة الحجر ، الآية : ٣٠] وهذه الآية كسابقتها تبين فضل آدم (عليهالسلام) على غيره ، فإن السجود ـ سواء كان حقيقيا أو لم يكن كذلك ـ يستلزم أفضلية المسجود له من الساجد.
ثم إنّ للعلماء والمفسرين كلاما في حقيقة إبليس. فعن جمع إنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن اتصف ببعض صفات الملائكة واستدلوا بقوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [سورة الكهف ، الآية : ٥٠] وأنه تعالى بيّن حقيقته في ما حكاه الله تعالى عنه : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٢] وحينئذ يكون الاستثناء منقطعا.
وعن جمع آخرين أنه كان من الملائكة وتمسكوا بظاهر الآية فإنه كان مشمولا لأمره تعالى للملائكة بالسجود فيكون الاستثناء متصلا.
والصحيح أن يقال : إنه لا ريب في مباينة إبليس مع الملائكة وشموله للأمر لا يستدعي كونه منهم ، فإنه ذات خبيث مفسد لأحد لفساده دلّس على الملائكة الروحانيين حتّى ظنوا أنه منهم.
وقد اقتضت الحكمة الإلهية في خلقه لمصالح ليس في وسع البشر دركها ـ كما في سائر ما خلقها الله تعالى ـ ولعله منها أنه أحد طرفي الإختيار في الإنسان ، فإن الله يدعو إلى الجنّة والمغفرة وهو يدعو إلى النار والإنسان بينهما فإن شاء نبى دعوة الله وإن شاء لبى دعوة الشيطان ، وهذا هو الأمر بين الأمرين