الثاني : نفس الوجه السابق قبل نفخ الروح فيه ، فإنه بعد تمامية الهيئة والمادة قطع العضو وخلق منه زوجته. وهذان الوجهان بعيدان جدا ، وفيهما من القبح ما لا يخفى.
الثالث : أنه بعد خلق آدم (عليهالسلام) من الطينة فضل منها شيء بحيث لو استعملت في آدم (عليهالسلام) لكان استعمالها في ضلعه الأيسر ، فكان خلق زوجته من هذه الفضالة فالطينة واحدة فيهما والتبعية متحققة.
والوجه الأخير هو المتحصل مما وصل إلينا من الأخبار في تفسير الآيات الشريفة ، وهو الموافق للذوق السليم ، والعقل المستقيم. ويمكن أن يراد من قوله تعالى : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [سورة الأعراف ، الآية : ١٨٩] ذلك ولا ينافي ما اخترناه في الآيتين المتقدمتين ، لأن المستفاد مطلق المشابهة الجنسية بعد ملاحظة جميع الآيات ، فإن قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) [سورة الروم ، الآية : ٢١] قرينة لما ذكرناه وسيأتي في البحث الروائي ما ينفع في المقام.
البحث الثاني : في جنة آدم (عليهالسلام) وقد اختلفت آراء العلماء والمفسرين فيها ، وعمدة الأقوال ثلاثة :
القول الأول : إنّها جنّة الخلد التي أعدها الله للمؤمنين في الآخرة واستدلوا بأنها ذكرت في الآيات السابقة ، وظواهر بعض الأخبار.
وهذا القول ممتنع ، لأنه من قبيل تقديم المعلول على العلة ، لأن نعيم الجنة ، وعذاب الجحيم إنما يحصلان بالعمل كما هو ظاهر الآيات والأحاديث ، بل إن الجنّة والنار قيعان محض وإنما تعمران بالأعمال كما في الحديث ، ولم يصدر من آدم (عليهالسلام) وحواء عمل بعد حتّى تكون لهما جنة الآخرة. مع أن مجرد الإطلاق لا يكفي في الانطباق على جنة الخلد ما لم تكن قرينة على الخلاف إلّا إذا أرادوا من جنّة الخلد ما يأتي بيانه.
القول الثاني : إنّها من جنان البرزخ وادعي الكشف لإثباته بل عن