(صلىاللهعليهوآله): «منبري على ترعة من ترع الجنّة» ، مع أنه يحضر في تلك الروضة المقدسة البر والفاجر.
وكيف كان فالجنّة هي من جنان الدنيا أعدها الله تعالى لآدم (عليهالسلام) وحواء إجلالا لهما ولاحتياجهما إلى الغذاء والراحة ، ويرشد الى ذلك ما ذكرناه سابقا من أن آدم (عليهالسلام) خلق من الأرض وفي الأرض وللأرض ، وقد سخر الله تعالى له الأرض والسماء بعد تعليمه الأسماء كلها وجعله خليفة فيها. نعم وقع الكلام في محل هذه الجنّة ، ويأتي بعد ذلك بيانه إن شاء الله تعالى.
ويمكن أن يكون المراد من جنة الخلد ما ذكرناه ، ومن جنة البرزخ ما ذكره الفلاسفة : من أن لجميع الموجودات نحو وجود برزخي في مقابل سائر أنحاء وجوده قد يظهر ذلك لأهله ، كما يظهر جملة من الموجودات في عالم النوم للنائم.
قوله تعالى : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما). الأكل معروف ، ويعبر عنه بمطلق الصرف والإنفاق أيضا كقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [سورة النساء ، الآية : ٢٩] ويمكن تأييد هذا ببعض الأخبار الواردة في المقام. والرغد : الطيب الواسع الهنيء ، ويمكن أن يكون قوله تعالى : (حَيْثُ شِئْتُما) تأكيدا لمعنى الرغد إذا لوحظ الرغد بالمعنى الأعم من السعة في المكان والزمان ، وسائر الخصوصيات والجهات ، فتدل على الإباحة المطلقة إلّا الشجرة الخاصة ؛ وأن ذلك هو معنى رغد العيش لغة ، فيستفاد منه التوسعة في جميع وسائل النعمة والراحة لهما.
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ). القرب المنهي عنه في المقام كناية عن كثرة الاهتمام بترك المنهي عنه ، فكأنه تعالى نهى عن الاقتراب منه فضلا عن ارتكابه وهو كثير في القرآن الكريم والمحاورات الصحيحة قال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٥١] ، وقال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [سورة الإسراء ، الآية : ٣٢] ، وقال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٣٤] فيكون محصل المعنى التأكيد