والتواب إما بمعنى قبول التوبة عن عباده كثيرا بحسب كثرة التائبين أو أنه عزوجل يقبل توبة العبد الواحد وإن صدر الذنب عنه متعددا ، أو يكون بمعنى كل منهما ، وجميع ذلك صحيح.
والجمع بين وصفي التواب والرحيم فيه إيماء إلى أنه تعالى يتفضل على التائب ، مضافا إلى العفو والمغفرة بالإحسان إليه.
وفي مثل هذه الآية المباركة دلالة واضحة على أن الله تعالى هو الذي يلهم عباده التوبة ويقبلها ، وأن بابها مفتوح من حين هبوط آدم (عليهالسلام) إلى انقراض العالم ، بل التوبة من أهم ما انتفع به الإنسان من الهبوط إلى الأرض ، فإنه تعالى جعل من حكمته التوبة والعصيان قريني الإنسان كفرسي الرهان ، فهذه الآية المباركة في مقام بيان بعض حكم الهبوط وفي الآية التالية البعض الآخر.
قوله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً). قد ذكر سبحانه وتعالى الهبوط مرتين :
الأولى ـ لبيان أصل الهبوط من الجنّة إلى دار الشقاء والعناء والعداء ، كما عرفت.
والثانية : لبيان الغاية من هذا الهبوط وهي ظهور سعادة السعداء ، وشقاوة الأشقياء فالآية تبين الغرض من الخلق ، وأنّه كان في الأرض ، والخطاب هنا ظاهر في الجميع أي : آدم (عليهالسلام) وذريته.
ويمكن أن يقال : إنّ الهبوط الأول من حيث الجهات المادية الجسمانية أي الدنيوية. والهبوط الثاني من حيث الاستكمالات المعنوية في سلسلة الصعود إلى المقامات العالية الإنسانية ، ولذا ذكره تعالى بعد التوبة والرجوع إلى الله عزوجل ، وأنه الغاية القصوى من الهبوط ، وذكر قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). بعنوان مستقل لئلا يتوهم أحد أنه غاية الهبوط أيضا ، بل هو أمر اختياري حاصل لمن اختار ذلك بعمده واختياره.