بحث كلامي :
أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء والرسل (عليهمالسلام) من الكفر مطلقا ، ولكنهم اختلفوا في بعض الصغريات. وعمدة الأقوال ثلاثة :
الأول : القول بالعصمة مطلقا من جميع الذنوب ، وفي جميع الحالات وهذا هو مذهب الإمامية.
الثاني : القول بالعصمة من الكبائر مطلقا ، وأما الصغائر فإنها جائزة عليهم سهوا. وهذا هو مذهب المعتزلة.
الثالث : القول بالعصمة عن الكبائر عمدا ، ولكنها جائزة عليهم سهوا ، وهذا هو مذهب الأشاعرة. وهناك أقوال أخرى نادرة أجمع المسلمون على بطلانها.
ولم يستدل أصحاب هذين القولين بدليل يصح الاعتماد عليه إلّا ما ورد في القرآن الكريم مما يوهم ظاهره نسبة الظلم والمعصية إلى بعض الأنبياء (عليهمالسلام) ، وسيأتي أنه ليس على ظاهره ولا بد من تأويله.
والرأي المناسب لمقام النبوة والرسالة هو القول بعصمتهم مطلقا ـ كما ذهب اليه الإمامية ـ من جميع الذنوب كبائرها وصغائرها ، عمدا وسهوا قبل البعثة وبعدها. وقبل أن نذكر الأدلة لا بد من بيان معنى العصمة على سبيل الإيجاز ، والتفصيل موكول الى محله.
العصمة : بمعنى المنع والإمساك يقال : عصم عن الشيء أي منعه وأمسكه. ومنه قوله تعالى حكاية عن ابن نوح : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [سورة هود ، الآية : ٤٣] أي : يمنعني منه. والمعصوم هو الممنوع عن فعل المعصية بلا إلجاء واضطرار حتّى ينافي الإختيار ، وإلّا كان العادل أحسن من المعصوم وبعبارة أخرى : إنها عناية خاصة ، وتوفيق من الله تعالى لبعض عباده ، لعلمه الأزلي بصفاء طينتهم وجوهرهم من دون أن يكون ذلك من العلة التامة كسائر عناياته وتوفيقاته عزوجل بالنسبة إلى عباده ، فقد يوفق عبدا لصلاة الليل مثلا ، أو فعل