المجردات والروحانيين أول ما خلق الله العقل ، ثم الأشرف فالأشرف حتّى يصل إلى آدم (عليهالسلام) ، وفي سلسلة الماديات والأعراض يكون الأشرف فالأشرف أشياء أخرى تقدم بعضها في تفسير سورة الحمد في قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ). ويمكن أن تكون السلسلة الأخيرة متقدمة من بعض الجهات على بعض أفراد السلسلة الأولى ، إذ لا تنافي في ذلك.
وتوهم : أن أصل القاعدة إنما يتم بناء على لزوم السنخية بينه جل شأنه وبين خلقه ، وقد أبطلتها الشرائع المقدسة فلا موضوع لقاعدة «إمكان الأشرف» أصلا.
غير صحيح ، لأنه لا ربط للسنخية بهذه القاعدة أبدا لما أثبتناه في الفلسفة الإلهية من أنّ السنخية على فرض اعتبارها إنما هي في الفاعل الموجب لا في الفاعل المختار ، والأئمة الهداة (عليهمالسلام) جعلوا إرادته تعالى عين فعله حتّى لا يلزم توهم هذه المحاذير.
فاحتمال تطور الإنسان عن ذي حياة آخر فاسد كما عرفت ، هذا كله في فعل الله عزوجل.
وأما فعل المخلوق أي سلسلة استكمال المفاض عليه ، يكون الأمر بالعكس فيتعلق الخلق بالداني أولا ثم يترقى إلى مرتبة الكمال لفرض أنه مستكمل بغيره مطلقا ، قال تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٤] وللبحث تتميم يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
ولكن ذكر بعض الفلاسفة الطبيعيين استنادا الى قانون العلية في الأمور الطبيعية ، وأنّ كل حادث طبيعي لا بد أن يستند إلى سبب طبيعي كذلك ، وقد تفرع عن هذا القانون الأصل المنسوب إلى داروين القائل بالنشوء والارتقاء والتكامل وبقاء الأصلح ، فقد ذكر أن الإنسان لم يصل إلى هذه المرحلة الفعلية من الكمال إلّا بانتقاله من المراتب الدانية ، وأنّ في مسيره هذا قد رأى من التحولات والتبدلات الكثيرة التي نتج منها القضاء على الفرد