(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣))
بعد أن ذكر سبحانه خلق الإنسان وحالاته وأطواره خاطب طائفة خاصة وهم اليهود ـ وبدأ بذكرهم ، لأنهم أقدم الطوائف التي أرسل فيهم الأنبياء والرسل ، وأنزل فيهم الكتب ، وهم أول طائفة من الأمم هبطوا من ذروة المقام الإنساني الى درك حضيض البهيمية ، وهم السابقون في نقض عهد الله ، مصرين على ذلك ، وملتزمين بغيهم وجحودهم لا يرتدعون برادع أرضي أو سماوي أتعبوا أنبياء الله بغيهم ولجاجهم وشق على سيد المرسلين فسادهم وإفسادهم ، وهم أشد الناس عداء للمؤمنين ، ومن سنة الله تعالى المداراة مع العصاة بكل ما أمكن ـ كما سيأتي في الآيات الشريفة ـ فقد تكرر ذكرهم في القرآن لعلهم يرشدون.
التفسير
قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ). إسرائيل مركب من كلمتين [إسراء] بمعنى العبد ، أو الصفوة ، أو القوة ـ على ما يأتي في البحث الروائي ـ و [ائيل] بمعنى الله تعالى ومعناه عبد الله أو صفي الله ، وقد ورد هذا اللفظ في القرآن مكررا. وإنما ذكرهم سبحانه بهذا التعبير تحريضا لهم بالتحلي بمكارم الأخلاق ونبذ مساويها ، لأنهم يرون أنفسهم من أهل صفوة الله والعبودية له عزوجل ، فلا ينبغي لهم هذا النحو من اللجاج والعناد والفساد ، كما في قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٣٢].
و (الذكر) بمعنى الاستحضار سواء كان باللسان أو القلب أو هما معا ، فمن الأول قوله تعالى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) [سورة الأنبياء