والعهد : حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال والاهتمام به ، وهو من الصفات الإضافية ، له تعلق بالعاهد والمعهود اليه والمعهود به إلّا أن في الأول يكون من الإضافة الى الفاعل ، وفي الثاني كذلك إذا كان مع العوض ، كما يكون من الإضافة الى المفعول أيضا.
والفرق بين العهد والميثاق هو أن الثاني أخص من الأول ، لأنه العهد المؤكد بأنحاء التأكيدات والتوثيقات ، سواء أكان بين الله تعالى وبين خلقه أم بين خلقه بعضهم مع بعض ، ومادة (وث ق) تدل على كمال التثبت.
والمعنى : أوفوا بعهدي الذي أبلغته إليكم بواسطة الأنبياء والرسل من المواثيق والطاعات والعبودية ، وهي كثيرة يأتي في الآيات التالية تعداد أصولها ، ومن جملة ما عهد إليهم الإيمان بشريعة خاتم المرسلين كما يستفاد من قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ). والوفاء بالعهد مطلقا سواء أكان من النّاس ام من الله تعالى يرجع إلى مصلحة النّاس أنفسهم.
وإنما سمى سبحانه ذلك عهدا وأوجب وفاءه على نفسه ، تحننا منه وترغيبا لعباده إلى الطاعة حيث يكون لهم حق مطالبة الجزاء مع الشرط فيصير المقام نظير آية الاشتراء : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] مع أن السلعة والمشتري وقدرته وارادته من الله تعالى ولذلك نظائر كثيرة يأتي التعرض لها. ويمكن أن يكون الترتيب في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) من قبيل ترتب المعلول على العلة ، لا من ترتب وفاء أحد المتعاوضين على وفاء الآخر.
قوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ). الرهب هو الخوف المشوب بالاضطراب. وتقديم الضمير المنفصل يفيد الحصر ، أي لا بد أن يكون الخوف من الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير ، والمطلع على الضمائر والظواهر ، فإن الرهبة إن كانت لأجل عظمة المرهوب منه وجلاله فلا نهاية لهما فيه عزوجل ، وإن كانت لأجل علمه بموجبات السخط والعقاب فلا يعزب عن علمه شيء في السموات والأرض ، وإن كانت لأجل قهاريته التامة فهي من أخص صفاته ، وعهوده هبات منه عزوجل فيكون نقضها عظيما.