(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦))
ذكر سبحانه في هذه الآيات من أفعال اليهود وفسادها أنهم كانوا يدعون الى الإيمان وتلاوة الكتاب ، وقد وصفوا أنفسهم بالعدل ، وخالفوا إلى غيره ، ووبّخهم على هذا الفعل توبيخا شديدا ، والخطاب وإن كان موجها إلى بني إسرائيل لكنه عام إلى جميع من يأمر بالحق ولا يعمل به ، وهو من أعظم القبائح النظامية في الاجتماع ، ثم أمرهم سبحانه بالرجوع إليه والاستعانة بالصبر والصّلاة ونبذ ذلك العمل الشنيع.
التفسير
قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ). البر : هو سعة الخير ، ويطلق على كل خير من الإحسان. والنسيان غيبة الشيء عن النفس بعد حضوره فيها ومنه قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٦٤] ، إذ لا يعقل النسيان ممن كان ما سواه حاضرا لديه. ويستعمل بمعنى مطلق الترك أيضا ، قال تعالى : (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [سورة الحشر ، الآية : ١٩]. وهو أخص من السهو والغفلة.
قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ). التلاوة : القراءة لكن لوحظ في الأولى معنى المتابعة ، لأن الحروف المقروءة تتتابع بعضا بعضا ، وفي الثانية لوحظ معنى الجمع ، لأن القراءة تستلزم جمع الحروف.
والعقل من العقال ، لأنه يربط صاحبه عن ارتكاب القبائح. ويحرّضه على إتيان المحاسن ، وهو ضد الجهل ، وله إطلاقات كثيرة في السنّة بل واصطلاح الفلاسفة ، ويأتي شرح ذلك في الآيات المناسبة.
ومفهوم العقل من أبده الأشياء ولكن كنهه في غاية الخفاء ، فهل هو جوهر مجرد روحاني متعدد الأفراد حسب تعدد أفراد العقلاء يقبل الشدة