الْخاشِعِينَ). بعد أن ذكر سبحانه من سوء أفعالهم ونفى العقل عنهم فلم تنفعهم تلاوة الكتاب أرشدهم إلى استكمال أنفسهم بالكمالات الظاهرية والواقعية بالاستعانة بالصبر والصّلاة وحيث إن بني إسرائيل كانوا مسبوقين بالصبر على المتاعب والشدائد ، وظهر لهم أثر صبرهم في الاستيلاء على عدوهم (فرعون وقومه) ، قال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٣٧]. وكذا في الصّلاة التي اعتادوا عليها فظهر لهم بعض آثارها ، قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة يونس ، الآية : ٨٧] فحثهم الله تعالى على ما وجدوا أثره بأنفسهم من إدمان الاستعانة بالصبر والصّلاة ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٥٣].
والاستعانة : طلب العون كما تقدم في سورة الحمد (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). والمراد هنا جعل الصبر والصّلاة وسيلة لإفاضة الله تعالى عليهم ما يهمهم من المقاصد وتدل الآية المباركة على أن الاستعانة بهما توصل إلى كل خير نوعيا كان أو شخصيا كليا أو جزئيا.
والصبر هو كف النفس عن الهوى مع مراعات تكليف المولى ، وهو من أهم مكارم الأخلاق ، بل لا فضيلة إلّا وللصبر فيها دخل.
ثم إنّ استعانة الإنسان إما أن تكون من نفسه بنفسه ، أو من نفسه بغيره ، والأول هو الصبر ، ومن الثاني الصّلاة. والاستعانة بالصبر هي فعل الطاعات وترك المحرمات ، وقد يراد منه الصوم لأنه الإمساك وكف النفس عن المفطرات فيكون من صغريات المعنى اللغوي ففي الحديث : «إنّ النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا حزبه أمر استعان بالصوم والصّلاة» ، وعن الصادق (عليهالسلام): «الصبر الصيام وإذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم ، فإن الله تعالى يقول : واستعينوا بالصبر والصلاة».
والاستعانة بالصّلاة استعانة بالله تعالى ، لأنها تنهى عن الفحشاء