النعمة بالخصوص لينبههم على أنهم أولى بالإيمان بالإسلام. والعالمين وإن كان مطلقا ، ولكن يراد به خصوص عالمهم فإنّه فضّلهم على غيرهم بكثرة الأنبياء منهم ، وكثرة المعجزات فيهم ونزول التوراة عليهم ، ولكن ذلك لا يمنع أفضلية غيرهم عليهم ، فإن الأدلة العقلية والنقلية دلت على أفضلية خاتم الأنبياء على جميعهم وأفضلية أمته على سائر الأمم ، إذ السير التكاملي في كل شيء خصوصا في البشر يقتضي فضيلة الأمة اللاحقة على السابقة ، ولقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١١٠] والسنّة المستفيضة الدالة على ذلك ، وسيأتي في البحث الروائي ما ينفع المقام.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً). أي : واخشوا ذلك اليوم الذي تتقطع فيه الأسباب ، فتكون نظير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [سورة لقمان ، الآية : ٣٣] ، فيكون سياق هذه الآيات سياق القضايا المنتفية بانتفاء الموضوع. والعوالم الاستكمالية التي ترد على الإنسان أنواعها على قسمين :
الأول ـ ما يكون الاستكمال والكمال فيه فرديا فقط ، من دون دخل للأسباب الاختيارية فيه ، كالعوالم التي ترد على الإنسان قبل وروده إلى الدنيا ـ كالنطفة ، والعلقة ، والمضغة ، والجنين في عالم الرحم ـ فهو يسير فيه بالسير الطبيعي منفردا ، قال تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ٩٤].
الثاني : ما يكون اختياريا بجميع أطوارها ـ من جمعها ، وكثرتها وقلتها ، وفقدانها ـ دخل في الاستكمال والكمال ، فيكون دار الأسباب من جميع الجهات ، وقد جرى علم الله تعالى الأزلي وقضاؤه وقدره في ذلك «وأبى الله أن لا يجري الأمور إلّا بأسبابها» كما في الحديث فكم من شجاع يغلب غيره بسلاحه ، وكم من صانع يقهر غيره بصنعه إلى غير ذلك مما لا يحصى.
ويختلف عالم الآخرة عن ما يتقدمه من العوالم بوجهين :