فالأقسام المتصورة في عمل الإنسان في الدنيا والآخرة أربعة :
الأول : تأثير عمل كل فرد يعمله في الدنيا لنفسه في الآخرة ـ إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ـ وهذا كثير ، وهو الذي تدل عليه الكتب السماوية ، ويكون المناط عليه في المعاد.
الثاني : تأثير عمل الشخص في الآخرة لنفسه فيها. وهذا غير صحيح كما عرفت ، فإن الآخرة دار الجزاء ، لا دار الأعمال إلّا ما ورد بالنسبة إلى بعض الأعمال ، ففي الحديث : أنه يقال لقارئ القرآن يوم القيامة : «اقرأ وارق» ، بناء على أن قرائته للقرآن سبب لارتقاء درجاته فيها ، وما ورد في من مات في حال تعلمه للقرآن فإنه «يبعث الله تعالى من يعلّمه القرآن في قبره».
الثالث : أن يؤثر عمل شخص في الدنيا لشخص في الآخرة وهو كثير ، وقد دلت الأدلة الكثيرة على انتفاع الأموات بما يهدي إليهم الأحياء من الخيرات والتبرعات ولا سيما الأرحام فيهم حتّى ورد أنه : «ربما يكون في ضيق فيوسع الله تعالى عليه بذلك الخير الذي يوصل اليه من الدنيا» خصوصا إذا كان بتسبب من نفس الميت ، ففي الحديث المعروف بين الفريقين : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث : صدقة جارية ، ومصحف يقرأ فيه ، وولد صالح يستغفر له».
الرابع : تأثير دعاء الميت لأحد في دار الدنيا ، وهذا القسم أيضا واقع ، وقد ورد في الأولاد : «أنّ الولد ربما يكون بارا لوالديه ويصير عاقا بعد موته». فيدعو الميت على الولد في عالم البرزخ فيصير بها عاقا. هذا إجمال الأقسام ويأتي تفصيلها في الآيات المباركة المناسبة لها إن شاء الله تعالى.
والحاصل : أنّ ارتباط العوالم بعضها مع بعض ثابت عقلا ونقلا وإن كان خصوصيات هذا الارتباط غير معلومة إلّا لعلام الغيوب ، وقد يفيض الله تعالى لمعة من إشراقاته الى بعض أوليائه فيتعلم أسرار التكوين بقدر ما يفاض عليه من المبدأ الفياض ويستفيض من فيض وجوده حتّى مراتب الانبساط والانقباض.