والظلف ـ كما صرح به ابن الأثير ـ فلا يشمل الإنسان.
ولكن كل ما قيل من هذه الاحتمالات في قصة فرعون وبني إسرائيل يناسب ما نسب إليهم من السيئات.
قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ). البلاء الإختيار والامتحان ، ويستعمل في الخير والشر ، قال سبحانه : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [سورة الأنبياء ، الآية : ٣٥] ، وقال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) [سورة محمد ، الآية : ٣١] ، فهو إما إنعام أو انتقام ، وربما يكون إنعاما لقوم ، وانتقاما من آخرين وهو كثير في سنة الله الجارية في هذا العالم ، ولذا عبّر تبارك وتعالى بكلمة (ربكم) لأن الربوبية العظمى تقتضي ذلك.
قوله تعالى : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ). الفرق والفلق هو الانفراج ، ولكن الأول مع الفصل ، والثاني مع الإنشقاق. وفرق البحر انفصال بعضه عن بعض مع بقاء الجسم السيال على سيلانه ، وهو من أعظم المعجزات لموسى (عليهالسلام) كما شرحه الله تبارك وتعالى بقوله جلّ شأنه : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [سورة الشعراء ، الآية : ٦٣] والطود هو الجبل.
والبحر هو الاتساع والانبساط ، ومنه سمي البحر بحرا ، وهو من الموضوعات الإضافية التشكيكية ، فالبحر المحيط بالدنيا بحر ، ودجلة والفرات أيضا بحر بالنسبة إلى السواقي ، والمراد به هنا هو بحر القلزم [البحر الأحمر] على المعروف.
والباء في قوله تعالى : (بِكُمُ الْبَحْرَ) للسببية ، لأن عبورهم في البحر بإعجاز منه جل شأنه صار سببا لفرق البحر ، فلا تنافي بين هذه الآية المباركة وقوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) [سورة الشعراء ، الآية : ٦٣] لأنه أيضا سبب منه تبارك وتعالى ظهر في عصا موسى ، فهم كانوا السبب الغائي لفرق البحر ، والعصا كانت بمنزلة السبب الفاعلي ، والكل منه تبارك وتعالى.