وأما زمان الميعاد فهو ذو القعدة والعشرة الأولى من ذي الحجة كما يستفاد ذلك من الروايات الواردة على ما يأتي ، ويقتضيه الإعتبار أيضا ، لأنه زمان قبول توبة آدم (عليهالسلام) ، ومن أشهر الحج ومن أشهر الحرم ، وزمان ورود وفد الله تعالى من أطراف الأرض الى المواقيت المكانية فاتحد الميقاتان : المكاني ، والزماني ، وهما مقام تجلي عظمة الله تعالى لأمة نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) كما تجلى لموسى بن عمران ، وقد أدرك (عليهالسلام) الميقاتين أحدهما جانب الطور الأيمن وثانيهما ما حكاه أبو جعفر الباقر (عليهالسلام): «أحرم موسى من رملة ، ومر بصفائح الروحاء محرما يقود ناقته بخطام من ليف عليه عباءتان تطوانيتان يلبّي وتجيبه الجبال».
والأربعون هي مجموع المدة ، ويمكن أن يكون في أصل التشريع ثلاثين ليلة فزيد عليه إتمام العشرة ، لأن أفعاله جلّت عظمته تتغير بتغير المصالح والمقتضيات ، ولذلك تقع مورد البداء والنسخ ، كما يأتي تفصيله ، ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [سورة الأعراف ، الآية : ١٤٢] فذكر تعالى هنا الأربعين باعتبار مجموع الوعدين.
وكانت الغاية المطلوبة من هذا الميقات هي الانقطاع عن جميع العلائق والتوجه التام إلى رب الخلائق ليستعد بذلك للاستشراق والتجلي وتلقي المعارف والتوراة ، وعن جمع كثير من العرفاء أنه قد كان لكل نبي ميقات زماني ومكاني مع ربه يختلف ذلك باختلاف حالاتهم ودرجاتهم ومنهم من ذكره الله تعالى في القرآن الكريم بإشارات مختلفة ، ومنهم من لم يذكره.
وإنّما خص سبحانه وتعالى الليالي بالذكر دون الأيام إما لأن الليالي أولى واجمع للمناجاة معه جل شأنه ، أو لأن الليل أسبق من اليوم لأنها غرر شهور العرب التي وضعت على سير القمر وظهور الهلال ، أو لأن الليل يشتمل تمام اليوم دون العكس.
ويمكن أن يكون ذكر الليالي لأجل بيان أن موسى (عليهالسلام) كان يوصل صومه بالليل ولو اقتصر على ذكر خصوص اليوم لما أفاد هذا المعنى