أمران : أحدهما خير الأمور ، وهو من الله تعالى ، والثاني شر الأمور وهو عبادة العجل وكان من الشيطان ، لقانون مقابلة كل حق بباطل حسب ما اقتضته المقادير الإلهية في الأمور النوعية ، بل الشخصية أيضا.
والفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل. وهذا وصف لكل كتاب سماوي ، وشريعة إلهية ، قال تعالى : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٣]. ويمكن أن يكون المراد بالفرقان المعنى الوصفي الشامل للجميع لا خصوص المعنى العلمي للقرآن.
كما يمكن أن يراد من الفرقان هنا المعنى الجامع لكل ما يفرق بين الحق والباطل من التوراة ، وفرق البحر ، وسائر الآيات والمعجزات التي فرق بها بين الحق والباطل.
وكلمة (لعل) إذا استعملت في كلامه تعالى تكون بداعي محبته تعالى لمدخولها ورضائه واشفاقه بالنسبة إليه ، لا بمعنى الترجي الحقيقي لاستحالته بالنسبة إليه عزوجل ، إذ كيف يتصور فيه ذلك وهو عالم الغيب والشهادة من جميع الخصوصيات مما هو موجود وما مضى وما هو آت ، فكل شيء حاضر لديه ، وعن جمع من المفسرين أنها بمعنى «كي» التعليلية.
وفي هذه الآيات المباركة تعجيب منهم فإنّه مع ظهور الآيات الكثيرة لبني إسرائيل ، ليتدبروا فيها ، ويعتبروا منها ، ويعملوا بما أمرهم الله تعالى به ، لكنهم قابلوا تلك بالكفران ، ونقض ما أمرهم الله تعالى فكفروا برسالة خاتم النبيين.
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أمر مركوز في أنفسهم وهو انهم كانوا يتوقعون أن يكون خاتم النبيين من بني إسرائيل ، لتتم لهم الحركة الدينية ابتداؤها وانتهاؤها لكن جعلها الله تعالى في بني إسماعيل فحصلت المعاداة الفطرية بينهم.
وعلى أية حال ففي هذه الآيات إشارة إلى بعدهم أيضا عن مقام الشكر والاهتداء ، لإفراطهم في اللجاجة والعصيان.