على الجميل الاختياري ، والثاني ـ هو الثناء باللسان على الجميل ولو لم يكن. اختياريا ، كما في قولك : مدحت اللؤلؤ على صفائها ، والنجوم اللامعة على جلائها وبهائها ، فيكون الفرق بينهما بالعموم والخصوص. ولم يرد لفظ المدح في القرآن الكريم ، كما أنّه لم يستعمل الحمد فيه إلّا لله تبارك وتعالى. والثالث ما أنبأ عن عظمة المنعم سواء أكان بالقلب أو اللسان أو الأركان ، فالتفكر في عظمته تعالى شكر له وذكره باللسان وفعل الصّلاة شكر له أيضا ، فالحمد أعم من الشكر من ناحية المتعلق ، لأنّه الجميل الاختياري سواء أكان للحامد أم لغيره ، وأخص منه من ناحية المورد لأنّ مورده اللسان فقط في الإنسان ، والشكر بالعكس فإنّ متعلقه الإنعام على الشاكر فقط ومورده يعم القلب واللسان والأركان. وقد ورد الشكر في القرآن بالنسبة إليه تعالى كثيرا ، قال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٥٢] ، وقال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٢] ، وقد يكون من الله عزوجل لعباده قال تعالى : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [سورة الإسراء ، الآية : ١٩] ، وقال تعالى : (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) [سورة النساء ، الآية : ١٤٧]. والمراد بشكره تعالى هو الجزاء على الخير سواء كان في الدنيا ، أو في الآخرة أو فيهما معا. كما يقع من الخلق للخلق قال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [سورة لقمان ، الآية : ١٤]. والتسبيح هو التنزيه عن كل نقص مطلقا ويختص ذلك بالله تعالى كاختصاص الحمد به تعالى ، قال تعالى : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٥٩] ، وقال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء ، الآية : ٤٤] ويأتي التفصيل. هذا ما هو المعروف بينهم.
وهنا وجه آخر وهو أن مادة (ح م د) مع مادة (م د ح) واحدة في أصل المواد ، وإنما الاختلاف بالتقديم والتأخير وهذا الاختلاف أوجب اختصاص لفظ الحمد بالله تعالى ، وإطلاق المدح على غيره أيضا ، فيكون لفظ الحمد كلفظ (الله ، والرحمن) مختصا به تعالى فلا ينبغي إطلاقه بالنسبة إلى غيره عزوجل ولو أطلق يكون بمعنى المدح ، بخلاف المدح فإنه يطلق على غيره