الله جهرة ، وهذا بيان لقصة أخرى من قصصهم وهي من أعظم مظاهر جهلهم ، وكانت عقوبة هذا الجهل من أعجل العقوبات التي حلت بهم.
والإيمان بمعنى التصديق يتعدى باللام ، كما في المقام ، وبالباء كما في قوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٢٣]. والرؤية هنا الإدراك بالقوة الحسية البصرية ، وتستعمل بمعنى العلم وما يدرك في عالم الرؤيا أيضا ، والجهر معناه العلانية ، والمراد به ظهور المدرك (بالفتح) معاينة في القوة الحسية إما في البصر ، كقول القائل : رأيته جهارا ، أو السمع كقوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [سورة طه ، الآية : ٧] ، وأكد بالجهر للفرق بين رؤية العيان وغيرها.
قوله تعالى : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ). تقدم في قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩] معنى الصاعقة ، وهي النار المحرقة ، قال تعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) [سورة الرعد ، الآية : ١٣] ، وقد يراد بها الصوت الشديد الموجب للموت ، قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [سورة الزمر ، الآية : ٦٨] ، وتأتي بمعنى العذاب ، كما في قوله تعالى : (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) [سورة فصلت ، الآية : ١٣].
واحتمالات الصاعقة في هذه الآية المباركة هي : إما أن تكون من العذاب الأخروي جزاء لغيّهم ولجاجهم. وفيه : أنه خلاف ما في الكتب السماوية من أن العذاب الأخروي متوقف على أمور معينة يأتي بيانها إن شاء الله تعالى ، أو تكون نحو عذاب دنيوي ، جزاء لعنادهم ولجاجهم. وفيه : أنه خلاف ما جرت عليه عادة الله تعالى من التأني والإمهال في التعذيب والتأخير فيه إلّا ان يخصص المقام ، أو أن الصاعقة حصلت من آثار عظمته وجلاله وكبريائه جل شأنه فتكون من سنخ قوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [سورة مريم ، الآية : ٩١] فهي أمر وضعي تكويني ، وتأثير الأقوال ، والأفعال غير