في سلوة من العيش أي : في رغده. والإنزال بمعنى الخلق والإيجاد ، وحيث يصدر كل منهما من مبدأ عال بكل معنى العلو يصح إطلاق الإنزال عليه ، كما في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٥].
والمعنى : أنزلنا عليكم الخيرات والبركات ، وما يوجب رغد العيش ويشهد لهذا التعميم ذيل الآية الشريفة (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) فإنها في مقام الامتنان.
وقد فسر المنّ بعض المفسرين بأنه مادة لزجة حلوة تشبه العسل تقع على الحجر وورق الشجر مائعة ثم تجمد وتجف فيجمعها الناس لأجل الاستفادة منها ، والسلوى : بالسمانى وهو طائر معروف. وهذا يكون من باب التطبيق ، لا بيان المعنى الحقيقي ، ويأتي شرح ذلك في قصة التيه في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ). الطيب ما تستطيبه النفس ، وهو من الأمور الإضافية فرب طيب يستطيبه قوم دون آخرين ، وذكر كلمة «من» في الآية الشريفة لهذه الجهة.
أي : ليأكل كل منكم ما يشاء ويستطيبه. وسياقها يدل على وفور النعم وكثرتها ، ولكنهم قابلوها بالكفران والمعاصي كما أشارت إليه الآية المباركة.
قوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). في هذه الآية الشريفة إشارة إلى أمر وجداني وهو كل من كفر بنعمة أسديت اليه فقد ظلم نفسه ، لأن ذلك سبب لانقطاع تلك النعمة وزوالها ، أو يستوجب عذاب الله تعالى ، ومما ظلموا به أنفسهم جحودهم لله تعالى الذي هو من أعظم الظلم.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ). مادة (ق ر ي) تأتي بمعنى الجمع فيصح إطلاقها على كل مجمع إطلاقا حقيقيا. وروي أنّ بعض القضاة دخل على علي بن الحسين (عليهالسلام) فقال (عليهالسلام) : «أخبرني عن قول الله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) ما يقول فيه علماؤكم؟ قال : يقولون إنها مكة فقال (عليهالسلام) وهل رأيت سرق