اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [سورة الأعراف ، الآية : ١٦٠] ويمكن الجمع بينه وبين المقام باختلاف المراتب شدة وضعفا ، لأجل القرائن المحفوفة بالموضوع. وكانت عدد العيون المنفجرة بعدد الأسباط لكل سبط مشرب معين لا يتعداه إلى غيره ، كما في الآية المباركة.
قوله تعالى : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ). العلم إما بإلهام منه عزوجل ذلك لهم ، أو بجعل من موسى (عليهالسلام) أو بالتباني على ذلك ليختار كل أناس مشربهم فلا يقعوا في التنافس والتزاحم.
قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ). المراد من الرزق هنا هو الحاصل من عالم الغيب كما مر أي : كلوا مما رزقكم الله من المن والسلوى واشربوا مما فجرناه من الصخرة. وقد تقدم في أول السورة معنى الرزق.
قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). العيث : شدة الفساد ، أي : لا تبالغوا في الفساد في الأرض. وفي الآية المباركة إيماء الى أن كل فساد في الأرض عظيم وشديد ، أو أن الفساد يجب أن يتحرز حتّى عن موهومه فضلا عن مظنونه ومعلومه.
وورود النهي عقيب الإنعام فيه إيماء أيضا إلى أن النعمة يجب أن لا تكون سببا لفسادهم ؛ فلا يقابلوها بالغي والكفران. ويعرف من ذلك أن فساد بني إسرائيل وتبديلهم نعم الله تعالى بالكفران لا ينفك عنهم وقد طبعوا على ذلك ، كما شاهد ذلك نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في مشركي قريش ويهود عصر التنزيل.
ثم إنّ حكم الآية عام لا يختص بخصوص المورد كما في كثير من الآيات ، ولعله لذلك التفت من سياق الكلام السابق إلى سياق آخر.
والأمر بالأكل والشرب للإباحة لجميع ما لم ينه الشارع عن أكله وشربه ، ولعامة أفراد الناس.
وظهور الماء من الحجارة بعصا موسى (عليهالسلام) مذكور في التوراة