والقرآن الكريم ، كما أن ظهور الماء من أنامل نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) مذكور في كتب الفريقين ، ومن الواضح أن الثاني أشد معجزة من الأول.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) أي : واذكر ما قاله بنو إسرائيل لموسى : إننا لن نصبر على المنّ والسلوى حيث لم يجدوا بديلا عنهما. وهذا يدل على قصور هممهم وانها مقتصرة على الماديات وعدم قابليتهم لنعم عالم الغيب فقد استولى على طباعهم السخرية والعناد فكان هذا السؤال منبعثا عن طبيعتهم.
والطعام : كل ما يتغذى به وغلّب استعماله في الحنطة لأجل الغلبة الاستعمالية وإلّا فقد يستعمل في الماء أيضا ، قال تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤٩] ، وعن نبينا (صلىاللهعليهوآله) في وصف ماء زمزم : «طعام طعم وشفاء سقم».
والطعام اسم يطلق على ما يؤكل ويشرب وقد وردت مادة (ط ع م) في القرآن الكريم بهيئات مختلفة بالنسبة إلى الدنيا والآخرة ، قال تعالى : (هُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٤] وقال تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) [سورة المائدة ، الآية : ٩٣] ، وقال جلّ شأنه في وصف النار : (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً) [سورة المزمل ، الآية : ١٣]. والطعم (بالفتح) هو ما يؤديه الذوق ، قال تعالى في وصف الجنّة : (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) [سورة محمد ، الآية : ١٥] ، فهذه المادة قرينة الإنسان في جميع نشآته إلى الخلود ؛ وربما يستعمل في المعنويات أيضا ، قال تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) [سورة عبس ، الآية : ٢٤] وفسر في الأخبار إلى علمه الذي يتعلّمه الإنسان. فالطعم (بالضم) الأكل ، و (بالفتح) عرض قائم بالقوة الذائقة.
والمراد بالواحد الوحدة النوعية ، فإن الطعام كان مركبا من المنّ والسلوى وأنه يتكرر كل يوم فذلك ينافي الوحدة الشخصية.
وفي عدم صبرهم على طعام واحد يحتمل وجهان : الأول : ملالة الذوق