وكيف كان فالأمر للتعجيز ، لأنه لا يمكنهم الدخول في مصر من الأمصار ، لأن الله تبارك وتعالى كتب عليهم التيه ولا يمكنهم القتال لضعف عزائمهم وجبن نفوسهم ، وأن الأرض التي هم فيها جدباء لا ينبت فيها البقل والزرع.
قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ). الضرب يأتي لمعان كثيرة تتميز بالقرائن ، والمراد به في المقام هو اللزوم والإلزام من قولهم : «ضرب المولى الخراج على عبيده» أي ألزمهم ، وذلك أحسن الاستعمالات. والذلة : الصغار والهوان ، والمسكنة : الخضوع الشديد وفقر النفس ، لأن الفقر أسكن الشخص وقلل حركته. وهما أعم مما إذا كانتا في النفس ، أو في المال ، أو في سائر الجهات.
والله جل شأنه عاقبهم بالذلة والمسكنة ، لأنهم كفروا بأنعم الله فقد أذلهم الله تعالى باستيلاء سائر الأمم عليهم.
والمتيقن من الضمير في (عليهم) اليهود في عصر موسى (عليهالسلام) الذين آذوه ، ومن آذوا منهم نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ، ويمكن إرجاعه إلى جميع الأعصار ، كما دلت عليه التواريخ ويأتي في الآيات المناسبة بيان ذلك.
قوله تعالى : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ). البوء بمعنى الرجوع ، وباءوا أي رجعوا وانقلبوا ، ويستعمل في القرآن غالبا في الشر ، قال تعالى : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) [سورة البقرة ، الآية : ٩٠] ، وقال تعالى : (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٦٢].
والغضب إن أضيف اليه سبحانه وتعالى فهو عقابه بالنسبة إلى من عضب عليه ، وإن أضيف الى الخلق فهو حالة توجب الإضرار وهي من الحالات المذمومة ، فعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «اتقوا الغضب ، فإنه شعلة من نار جهنم يلقى صاحبها في النار».
نعم إذا كان الغضب لله تعالى فهو محمود ، ومنه بعض مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقدم بعض الكلام في سورة الفاتحة عند قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ).