وقد بين تعالى السبب في إذلالهم ومسكنتهم وغضبه عليهم بقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) فرجعوا بكفرهم وعصيانهم إلى غضبه تعالى رجوعا دائميا ، فإن كل غضب لا بد له من سبب بخلاف الرحمة ، فقد تواتر عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «أن رحمته سبقت غضبه» وليس المراد بالسبق الزماني منه ، بل السبق الإيجادي التكويني ، فإن ما سواه منه عزوجل ومن رحمته ، فكل من يعصي الله سبحانه وتعالى فقد رجع من رحمته إلى غضبه وعقابه بعمده واختياره بعد فتح جميع أبواب الرحمة على الفاعل المختار ، فيستحق الخزي والعار في حكم العقل ، وحكم الشرع.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ).
أي : أنّ ما حل بهم من الذل والمسكنة ، واستحقاق غضب الله تعالى كان بسبب كفرهم وتكذيبهم لآياته جلّ شأنه. والمراد بآيات الله تعالى المعجزات الباهرات التي شاهدوها من موسى (عليهالسلام) والكفر بها رجوع بغضب على غضب ، لأن كفران كل آية من آياته يوجب غضبا منه عزوجل ؛ ويجوز أن يكون المراد الكفر بالمعجزات وقتل النبيين أو إنكار الإنجيل والقرآن.
والأولى إرادة العموم ليشمل جميع ما ذكر مع ترك الواجبات وفعل المحرمات ، وتشهد لذلك الروايات الدالة على أن الإصرار على المعاصي الصغيرة من الكبائر ، ولا اختصاص لذلك ببني إسرائيل فقط ، بل يشمل أمة محمد (صلىاللهعليهوآله) لعدم التخصيص بالمورد كما هو المتعارف.
قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ). الأنبياء جمع النبي ، كالأقوياء جمع القوي. والنبأ هو الخبر ، ولكنّه أخص من مطلق الخبر ، لاختصاصه بالإخبار عن الغيب بواسطة إنسان رفيع الشأن وعظيم المنزلة.
والمشهور بين اللغويين وتبعهم المفسرون أنّ مبدأ اشتقاق النبي مهموز. وعن بعض اشتقاقه من النبوة من غير همز ، وهي الارتفاع لأن مقام النبي رفيع جدا ، ولا ينافي ذلك لزومه الإخبار عن الله تعالى فبعض عبّروا بنفس اللازم وهو الاخبار ، والبعض الآخر عبروا بالملزوم وهو رفعة المقام ، ويمكن تأييده