بحث فقهي وكلامي :
قد استدل بالآية الشريفة (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) على إباحة الأشياء وحليتها وجعلوها أصلا عبروا عنه بأصالة الإباحة العقلية والنقلية وقد حررنا البحث عنه في كتابنا [تهذيب الأصول] فلا وجه للتعرض هنا بعد ذلك.
كما استدل بها على أنّ الرزق يطلق على الحلال فقط لأن الأمر يدل على الإباحة في المقام ، وحيث لا يتصور الإباحة في الحرام فلا يصدق عليه الرزق.
ولكن يرد عليه أنّ من شرط ظهور اللفظ في شيء إحراز كون المتكلم في مقام بيان ذلك الشيء وإقامة الحجة عليه ، وهو غير محرز في المقام ، ويكفي في عدم صحة التمسك بالإطلاق الشك في ذلك على ما هو المتعارف في المحاورات ، وقد حررنا ذلك في أصول الفقه ، ويأتي في الآيات المناسبة ما يتعلق بالرزق إن شاء الله تعالى.
بحث فلسفي :
ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات المباركة جملة من المعجزات التي صدرت من موسى (عليهالسلام) وهي كلها من صنع الله تعالى وإذا نسبت اليه تعالى لا يتصور فيها التحديد والتقييد بوجه من الوجوه لعموم قدرته ، فالحد بالنسبة إلى الكمال الأتم المطلق من كل جهة ـ من ذاته وبذاته ولذاته ـ لا يتصور له معنى معقول ، ولكن إذا لوحظ ذلك كله بالنسبة إلى المورد والمتعلق لا بد أن يحد بحد الإمكان الذاتي إذ المستحيل بالذات يقصر عن أن يقع مورد المعجزات وخوارق العادات ، لقصور في المتعلق لا أن يكون القصور في القدرة ، وقد سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) : «هل يقدر الله على أن يجعل الدنيا في بيضة بحيث لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة؟ فقال (عليهالسلام) إن الله قادر ، ولكن هذا لا يكون» ، فاتفق العقل والنقل على خروج الممتنعات عن مورد المعجزات وخوارق العادات ، وإنما يكون موردها الممكنات الذاتية ، وإن كانت ممتنعة عادة بالأسباب العادية لكنها ممكنة