التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا). المراد بالذين آمنوا من اتخذ الدين القيم كما قال تعالى : (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦١] وليس المراد به خصوص المسلمين الذين صدقوا محمدا (صلىاللهعليهوآله) ، ويدل على التعميم ذيل الآية الشريفة فيكون ذكر الأصناف الثلاثة تخصيصا بعد التعميم ، وتفصيلا بعد الإجمال.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هادُوا). أي الذين صاروا يهودا نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب ، وأبدلت الذال دالا تخفيفا في الاستعمال ، وهو اسم جمع واحده يهودي ، كالروم والرومي. وقد استعملت مادة (ه ود) بهيئاتها في القرآن الكريم ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة الحج ، الآية : ١٧] ، وقال تعالى : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٥] ، وقال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٤] وهذه المادة تأتي بمعنى الرجوع والتوبة ، قال تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٦] أي : تبنا. سميت اليهود بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل ، أو الرجوع عن شريعة موسى (عليهالسلام) أو الرجوع عن الإسلام ، والكل صحيح في الجملة بالنسبة إليهم حسب الاختلاف الواقع بينهم ، وقد نسب إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) انه قال : «اختلفت بنو إسرائيل بعد موسى بخمسمائة سنة واختلفوا بعد عيسى بمأتي سنة». وتأتي بمعنى السكون والموادعة والتأني في الحركة.
ويستفاد من قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٤] أن الإيمان بتوراة موسى (عليهالسلام) والتسليم بشريعته أخص من مطلق التهود في تلك الأعصار القديمة فضلا عن هذه الأعصار ، ويشهد لذلك ما نقل في التاريخ أن بني إسرائيل ارتد أكثر أسباطهم إلى الشرك وعبادة الأوثان من بعد سليمان ، ثم بادوا بالقتل والأسر فلم يبق منهم اسم ولا رسم. والذين بقوا على صورة التوحيد والشريعة على