قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً). بيان لمعنى الإيمان ، وحقيقته هي الإيمان بالمبدأ والمعاد ويلزمهما الإيمان بالرسالات السماوية أيضا ، والعمل الصالح على طبق الشريعة المقدسة فيكون العمل الصالح من لوازم الإيمان بالرسالة ، فإن العمل الصالح لا يعرف إلّا من قبل أنبياء الله وبأمر منه عزوجل كل في ظرفه ما لم ينسخ بغيره.
وهذه الآية وما في سياقها ظاهرة في أمرين :
أحدهما : ما ذهب إليه أصحابنا ودلت عليه النصوص من أن العمل الصالح جزء الإيمان.
ثانيهما : أن المناط كله في الإيمان ـ الذي تترتب عليه الآثار الدنيوية والاخروية ـ إنما هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، فإن من كان كذلك لم يتعد حدود الله ، ولم يتوان في طلب الحق ومرضات الله ولا تأخذه لومة لائم أو نزعة باطل ، فلا أثر لقولهم : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٥] كما لا أثر لقول اليهود : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [سورة المائدة ، الآية : ١٨] ولا لقول النصارى كذلك ، وقد تقدم بعض الكلام في معنى الإيمان في أول سورة البقرة فراجع.
قوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ). أي إنّ جزاء إيمانهم ، وثواب عملهم الصالح معدّ عند ربهم ، وهذا من قبيل ترتب المعلول على العلة التامة. وذكر (عِنْدَ رَبِّهِمْ) لبيان أنه يستحيل أن يتغير ويتبدل للأدلة العقلية والنقلية الدالة على أن ما عنده تعالى غير قابل للتغيير والتبديل وكفى بذلك فخرا لأهل الإيمان أن يكون لهم ذخيرة باقية عند ربهم ، فيكون لذاته تعالى معية قيومية مع عباده قال تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ٤] وبعناياته الخاصة توفيقات وتأييدات لهم ، وفي جزائه لأعمالهم خزائن يضاعف لمن يشاء.
قوله تعالى : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). أي لا خوف عليهم من المتوقع ، ولا حزن على الواقع ، ونفي ذاتهما يقتضي نفي جميع ما يتصور