قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً). شروع في بيان قصة البقرة ، وبها سميت هذه السورة. البقرة واحدة البقر اسم جنس ، الأنثى والذكر فيه سواء. وقيل البقرة اسم للأنثى والثور اسم للذكر ، كالرجل والمرأة ، والجمل والناقة. ومادة (بقر) تأتي بمعنى الشق والتوسع لأنه يشق الأرض ويوسعها للزراعة. وسمي الرابع من أولاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) باقرا لأنه يشق العلم شقا ، وفي الحديث : «نهى النبي (صلىاللهعليهوآله) عن التبقر في المال» أي التوسع فيه.
والمنساق من مجموع الآيات المباركة أن قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) [سورة البقرة ، الآية : ٧٢] مقدم على قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) تقدم العلة على المعلول ، وإنما أخّر في ظاهر الكلام لمراعاة الفنون الأدبية المحاورية التي منها : الاهتمام بذكر المقدم وتهيئة النفوس للإصغاء اليه فيكون أدعى للبحث عن معرفة السبب ، وجعله كلاما مستقلا في توجيه الأسماع والأذهان ، واشتياق السامع اليه ومثل ذلك في القرآن كثير.
ومنها : توجيه الخطاب ابتداء إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) لعدم ذكر البقرة في التوراة فلم يكونوا مأنوسين به.
قوله تعالى : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً). الهزء : السخرية واللعب والاستخفاف ـ وهذا القول دليل على جهلهم بقدرة الله تعالى ، وعدم درك عقولهم بحياة المقتول بضرب بعض البقرة به ـ وفسقهم بعدم الاعتناء بأحكام الله تعالى فإن الواجب عليهم تنفيذ أوامره جل شأنه.
وهيئة الهزء كهيئة الكفؤ تقرأ بوجوه أربعة : بضم الوسط ، أو سكونه ، وكل منهما إما مع الهمز أو بدونه ، وجميعها لغات صحيحة تصح القراءة بها ، لكن الأرجح أن يقرأ بالهمزة مع ضم الوسط ، والأدون مع الواو وإسكان الوسط ، والمعروف ترك الهمزة مهما أمكن كما تقدم. والمسألة فقهية مذكورة في بحث القراءة من الصّلاة فراجع كتابنا [مهذب الأحكام].
قوله تعالى : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ). العوذ والعياذ هو الالتجاء عما يخاف من شرّه واستعمال هذا اللفظ في القرآن كثير ، وهو إما