قولي أو حالي أو عملي أو بالجميع ، والتجاء الأنبياء والأولياء من القسم الأخير ، لشدة انقطاعهم اليه عزوجل ، ولعل من أشده قول مريم ابنة عمران : (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٨] ، وقال تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) [سورة الفلق ، الآية : ١] إلى غير ذلك من الآيات المباركة فالالتجاء إلى الله تعالى لا بد أن يكون حاليا وعمليا ، لا أن يكون من مجرد القول فقط.
والجهل تارة يطلق على ما يقابل العقل ، وأخرى : على فعل ما لا ينبغي فعله إلّا من الصغير وبعض مراتب الشبان ، ومنه قوله تعالى : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) [سورة يوسف ، الآية : ٨٩] وهو ملازم للمعنى الأول.
ويمكن أن يستدل بمثل هذه الآية المباركة على عصمة الأنبياء لأن الاستهزاء والسخرية قبيحان لا ينبغي صدورهما منهم خصوصا إذا كانا في مورد أحكام الله تعالى.
قوله تعالى : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ). الدعاء في هذه الآيات بمعنى طلب الحاجة ويجوز في ضمير البقرة كل من التذكير والتأنيث. وقد سألوا من موسى (عليهالسلام) ان يسأل ربه ان يبين صفات البقرة.
قوله تعالى : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ). الفارض المسنة. والبكر ما لم يستفحله الفحل ، وضربة بكر أي قاطعة. وعن ابن فارس : «كانت ضربات علي (عليهالسلام) أبكارا إذا اعتلى قد ، وإذا اعترض قط». والعوان النصف وهو التوسط بين السنين أي : ان البقرة متوسطة في السن ليست بكبيرة لا تحمل ، ولا صغيرة لم تحمل.
وقوله تعالى : (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ). تأكيدا للأمر الأول وفيه من التنبيه على ترك التعنت.
قوله تعالى : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ). الفاقع صفة كمال للصفرة كما يدل عليه ذيل الآية الشريفة أي : خلصت صفرته يقال : أسود حالك ، وأحمر قانئ ،