قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها). هذه الآية المباركة مقدمة معنى وإن تأخرت في اللفظ لما عرفت و «ادّارأتم» أصله تدارأتم أي : اختلفتم وتنازعتم ، فأدغمت الياء في الدال ، لأنهما من مخرج واحد ، وزيدت الف الوصل حذرا من الابتداء بالساكن كقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها) [سورة الأعراف ، الآية : ٣٨] ، وكذا قوله تعالى : (إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ٣٨] ، وقوله تعالى : (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) [سورة يس ، الآية : ٤٩].
ومادة درأ تأتي بمعنى الدفع ، ومنه قوله تعالى : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) [سورة القصص ، الآية : ٥٤] ، وتأتي بمعنى الجلب والملائمة ، ومنه قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس» ، وكذا قوله (صلىاللهعليهوآله): «أمرت بمداراة النّاس كما أمرت بأداء الفرائض». ويمكن أن يكون من الدرء بمعنى الدفع أي : يدفع الإنسان عن أخيه ظلما يوجب التفرقة بينهما ويحمله على الإلفة والموافقة.
ومعنى الآية المباركة : إنّ بعضكم قتل نفسا فتخاصمتم وتدافعتم في شأنه فصار كل واحد يدفع عن نفسه التهمة. وقد نسب القتل إلى اليهود في عصر النبي (صلىاللهعليهوآله) لأنهم من نسلهم ، وتصح في المحاورات النسبة إلى اللاحقين بفعل السابقين.
قوله تعالى : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ). أي : أنه تعالى يظهر جميع ما تكتمونه من أسراركم وتهمة بعضكم لبعض.
قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها). يعني : اضربوا المقتول ببعض البقرة المذبوحة. ولم يعين سبحانه وتعالى هذا البعض فيكتفى بضرب أي جزء كان ، ولكن للمفسرين في تعيينه تفاصيل غير مستندة إلى مدرك صحيح ، ولا دليل صريح ، فالأولى الإغماض عن التعرض لها.
وإنما أمرهم بالضرب من دون أن يضرب موسى (عليهالسلام) بنفسه ، لأن الفعل إذ كان صادرا منهم فهو أبين لقطع النزاع كما يظهر من ذيل الآية الشريفة.