كما يجوز أن تكون بمعنى الترديد ، أو بمعنى بل ، والكلام حينئذ سيق مساق فهم السامع.
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ). الأنهار جمع نهر بسكون الهاء وفتحه كما في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) [سورة القمر ، الآية : ٥٤] والفتح أفصح ، ولذا لم يستعمل في القرآن مفرد الأنهار إلّا مفتوحة العين ، ولم يرد بسكونها فيه. وتقدم معنى الإنفجار في قوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [سورة البقرة ، الآية : ٦٠] و «يشقق» أصله (يتشقق) أدغمت التاء في الشين.
ذكر سبحانه وتعالى أنّ الحجارة ينفجر منها الأنهار كالعيون في الجبال فتعود منفعته على الحيوان والنبات. وأن بعض الحجارة يتشقق فيخرج منها الماء ، كالأحجار التي ينبع منها الماء قليلا كان أو كثيرا ، وأن منها لما يهبط من خشية الله تعالى ، لأن جميع الموجودات مسخرة تحت إرادته وقدرته عزوجل ، قال تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [سورة الجمعة ، الآية : ١] ، وقال تعالى : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) [سورة الرعد ، الآية : ١٣].
والخشية هي الخوف ولكنها أعم منه موردا ، لاطلاقها على الجمادات أيضا ، وأخص منه مفهوما لأنها الخوف المشوب بالتعظيم ، بخلاف مطلق الخوف. وللخشية والخوف منه تعالى مراتب كثيرة جدا وبعض مراتبها يختص بالعلماء بالله تعالى قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) : «يعني بذلك من يصدّق فعله قوله ، ومن لم يصدّق قوله فعله فليس بعالم وإن شق الشعر في المتشابهات» هذا بالنسبة إلى الفاعل المختار ، وأما بالنسبة إلى سائر الموجودات من الجماد والنبات والحيوان فحيث أن الخشية منه عزوجل من لوازم ربوبيته العظمى وقيمومته فتتصف جميع تلك الموجودات بالخشية منه تعالى ، قال جلّ شأنه : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [سورة