الحشر ، الآية : ٢١] ولم يدل دليل عقلي أو نقلي على أن مفاهيم الألفاظ لا بد وان تختص بعالم الإنسان وبما نتعقله من المعاني ، بل هي عامة لجميع العوالم كل على حسب وجوده ، بل الأدلة العقلية والنقلية تدل على الخلاف ، ويأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
وقد حدث في بني إسرائيل جميع ما تقدم من الآيات فقد انفجر الماء من الحجارة واندك الجبل ورفع فوقهم كأنه ظلة. وفي ذلك كله توبيخ وتحقير عجيب لهم ولمن يكون قاسي القلب ، فإنه مع رؤية جميع تلك الآيات الباهرات ودلائل الحق والتوحيد لا تؤثر في قلبه فقد جعلوا القلب الذي له المحل الأعلى في مصاف أخسّ الأشياء بمساوئ الأخلاق ورذائلها فلا تجدي فيه المواعظ والحكم.
إن قيل : بعد قدرة الله تعالى على تسخير الحجارة وما هو أصلب منها فهو قادر على تسخير القلوب أيضا. (يقال) : تسخير القلوب تكوينا تحت إرادته تعالى بلا إشكال ، ولكن اختياره لا بد وأن يكون تحت إرادة صاحب القلب ليتم بذلك نظام التشريع والجزاء كما تقدم.
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). مادة (غ ف ل) تأتي بمعنى ذهاب التوجه الفعلي الحاصل للنفس عن الشيء بعد حصول العلم به في الجملة ، وتستعمل في مورد السهو والنسيان أيضا ، وقد استعملت هذه المادة في القرآن الكريم بهيئات كثيرة ، وقد ورد في آيات كثيرة قال تعالى : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٣٢] ، وقال جلّ شأنه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٤٢].
والغفلة إما من الخلق عن الله تعالى ، أو عنه تعالى عن خلقه. والثاني مستحيل إذ كيف تعقل الغفلة عمن كان ذاته بذاته العلم والحياة ، والقيمومة المطلقة على ما سواه ، إلّا إذا رجعت الغفلة فيه تعالى إلى عدم التعجيل في الجزاء وإمهاله في العقاب ، وهذا صحيح وقد دلت الأدلة العقلية والنقلية عليه ، وقد اشتهر : «إن من أفضل أخلاق الكرام تغافلهم عما يعلمون من مساوئ