فيغفر لهم الدم فتنزع الدم البري من وسطك إذا عملت الصالح في عيني الرب» والظاهر من ذلك أنه كان من بقايا قصة معلومة مبينة عندهم دخلتها يد التحريف والتضييع وكم لهم من هذه التحريفات وقد صحح القرآن هذه القصة بالكيفية المذكورة ثم شرحتها الأخبار الواردة عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآلهوسلم) والأئمة الهداة (عليهمالسلام) كما تقدم في البحث الروائي.
بحث فلسفي :
تضمنت الآية الشريفة عقوبة من العقوبات التي حلت على بني إسرائيل فقد مسخهم الله تعالى على صورة القردة والخنازير ، وتقدم ما يتعلق بها. والمسخ هو من أقسام التناسخ الذي كان مورد البحث بين الفلاسفة امتناعا وجوازا منذ القدم. وقد أثبت الممتنعون ـ وهم أكابر الفلاسفة ـ استحالته ، سواء كان صعوديا [من مطلق الحيوان إلى الإنسان] أو نزوليا أو عرضيا ، ولكن استدل المجوزون بأدلة عقلية ونقلية من الكتاب الكريم والسنة الشريفة ، فاستدلوا بمثل هذه الآية المباركة (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) وما سيقت مساقها كقوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٠] والنصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المختلفة ، مثل ما ورد في صلاة الجماعة : «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله تعالى رأسه رأس حمار» بل قيل إنه ما من مذهب إلّا وللتناسخ فيه قدم راسخ.
والحق أن يقال : إنّ هنا موضوعين لا ربط لأحدهما بالآخر أحدها : التناسخ وهو عبارة عن انتقال نفس من بدن ـ كان بينهما اتحاد في مدة من الزمان ، قليلة كانت أو كثيرة ـ إلى بدن آخر وحصول الاتحاد بينهما. وله أقسام صعودي ونزولي وعرضي كما مر.
الثاني : تجسم الملكات وظهورها عن كل نفس في بدن يناسب تلك الملكات ، والصفات النفسانية في الخارج بصور تناسبها. ولا ربط لأحد الموضوعين بالآخر.
والذي ينفيه أكابر الفلاسفة وأجمع المسلمون على نفيه إنما هو التناسخ