القصد ، والمحاجة أن يقصد كل واحد رد الآخر بدليل معتبر. أي إنكم إذا أظهرتم للمؤمنين ما في التوراة يصير حجة عليكم من المسلمين فيحاجوكم به ، وليس هذا إلّا النفاق.
قوله تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ). يحتمل أن يكون قول الأحبار والرؤساء لمن أظهر منهم الإيمان أي : أفلا تعقلون أن هذا الحديث يوجب إتمام الحجة للمسلمين على بني إسرائيل. ويحتمل أن يكون الخطاب من الله تعالى للمؤمنين أي : أفلا تعقلون أنّ بني إسرائيل منافقون في أقوالهم وأعمالهم وأنهم لا يؤمنون فلا تعتمدوا على ما يصدر منهم.
قوله تعالى : (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ). الإسرار خلاف الإعلان ، وللإسرار مراتب كثيرة قال تعالى : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [سورة طه ، الآية : ٧]. وعن بعض أهل اللغة ـ وتبعه بعض المفسرين ـ أنه من الأضداد لقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) [سورة سبأ ، الآية : ٣٣] أي أظهروا الندامة ولكنه مردود لأنه خلاف ظاهر الآية المباركة كما يأتي في محلها. نعم يمكن أن يكون شيء واحد سرا من جهة وإظهارا من جهة أخرى فهو من الصفات ذات الإضافة ، قال تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) [سورة التحريم ، الآية : ٣] ، وقال جلّ شأنه : (إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) [سورة نوح ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) [سورة الرعد ، الآية : ٢٢]. وعلى أية حال فهذه الآية المباركة من القضايا التي يكون دليلها معها بعد تصورها ؛ وفيها توبيخ وتقريع لكل من يعلم بالحق ولا يحقه أو يعلم بالباطل ولا يبطله فضلا عن أن يظهر خلافه في كل منهما ، فإنه تعالى حاضر لدى القلوب فلا بد أن تكون القلوب حاضرة لديه حضورا عمليا لا اعتقاديا فقط ، إذ لا أثر للاعتقاد بدون العمل.
وهذه الآية المباركة من الآيات التي تدل على إحاطته تعالى بما سواه وهذه الإحاطة واقعية فوق ما نتعقله من معنى الإحاطة ، ولذا عقّب سبحانه وتعالى علمه الإطلاقي بما سواه بالألوهية المطلقة تارة ، فقال جل