بشكره تعالى فقال جل شأنه (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [سورة لقمان ، الآية : ١٤].
والتربية تارة : تكون جسمانية وهي التي يقوم بها الوالدان ، ويتم بقاء النوع الإنساني بها. واخرى : تربية معنوية وهي التي بها تقوم الحياة الأبدية ، ويقوم بها الأنبياء والأولياء والعلماء ، ولا ريب في أفضلية الثانية من الأولى واهميتها.
وإنما اطلق تعالى الإحسان إلى الوالدين ، لأنه مما يختلف باختلاف الاعصار والأمصار والحالات كما هو معلوم ، ويتم الإحسان إليهما بمعاشرتهما بالمعروف ، ورعايتهما ، وامتثال أوامرهما والتواضع لهما.
وكيف كان فأفعال الإنسان بالنسبة إليهما على أقسام ثلاثة : الأول ما أدرك أنه حسن ، والثاني ما أدرك أنه سيئ ، والثالث ما تردد في انه من الحسن أو السيئ ، ويصح الأول بالنسبة إلى الوالدين ، ولا يجوز الثاني ، وفي الأخير تفصيل يطلب من الفقه.
قوله تعالى : (وَذِي الْقُرْبى). القربى هي القرابة أي : امرناهم بالإحسان إلى القرابة وهو مما تحكم به الفطرة أيضا ، لأن بحفظ القرابة يتحقق نظام الأسرة ، والاجتماع الذي هو من أهم مقاصد النوع الإنساني فالإحسان إليها يقوي أواصر تلك القرابة ويصلحها.
قوله تعالى : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ). اليتم هو الانفراد ومنه قولهم درة يتيمة ، وقول الصادق (عليهالسلام): «والله نحن اليتامى» واليتيم في الإنسان من فقد الأب ، وفي البهايم من فقد الأم ، وفي الطيور فيهما. وتقدم معنى المسكين وهو من أسكنته الحاجة ، وأطلق سبحانه وتعالى الإحسان إليهم ، لما مر آنفا في الإحسان الى الوالدين ، وسيأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). التفات في الكلام وعدول في الخطاب لأهمية المورد بعد أن أمر سبحانه وتعالى بالإحسان الى أفراد مخصوصين ـ وهم الوالدان والأقربون ، واليتامى والمساكين ـ أكد ذلك بحسن