المعاشرة والقول الجميل وكل ما هو حسن للناس ولا بد من تقييد ذلك بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو اجمع كلمة لحفظ النظام ، واحسن ما يجلب به قلوب الأنام ، فعن أبي جعفر (عليهالسلام): «قولوا للنّاس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم» وسيأتي في البحث الروائي ما يتعلق به أيضا.
وهذه المواثيق لم تكن تختص بطائفة خاصة بل هي أمور فطرية حكم بحسنها العقل وحث عليها الشرع ، فلو عمل بها النّاس لعمت الإلفة وزالت البغضاء والتنافر بينهم ، وانقاد الكل للكل ، واضمحل العدوان بين أفراد الإنسان ، وبلغ المجتمع الإنساني إلى ذروة المجد والشرف ، ولكنهم عمدوا إلى الشقاق والنفاق فتولوا عن الحق إعراضا فصاروا لما لا يتوقعون أغراضا.
قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ). بيّن سبحانه وتعالى معنى العبادة التي تقدمت في صدر الآية المباركة ليبطل جل شأنه افتعال المفتعلين لأن العبادة لا بد أن تستند بجميع خصوصياتها إلى الشارع. والإقامة ـ كما تقدم ـ المواظبة على إتيان الصّلاة تامة الأجزاء وجامعة للشرائط ، وهي أقوى صلة بين الله تعالى وعباده ، ومن أهم السبل في إصلاح النفس ، لما تشتمل على الإخلاص لله تعالى ، والخشوع لعظمته. كما أن الزكاة أقوى صلة بين الأغنياء والفقراء ثم بينهم وبين الله تعالى ، ففيها إصلاح المجتمع. والزكاة أيضا من الأمور العبادية فلا بد أن تستند خصوصياتها إلى الشرع ، وإن كان مطلق الصدقة محبوب بالفطرة لدى الأمم.
قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ). بيان لما وقع منهم من عدم الوفاء بالميثاق ومعارضتهم له بالنفاق. والتولي هو الإعراض والمعروف انه إذا عدّي بنفسه يكون بمعنى الولاية والمحبة والإقبال وإذا عدّي بعن كان بمعنى الإعراض والإدبار ، والقرينة في المقام على الثاني : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ). وغالبا ما استعمل لفظ التولي في القرآن الكريم إلّا وعقّب بالإعراض مبالغة في الترك والتولي ، وقد كان لتوليهم مظاهر مختلفة ذكر سبحانه وتعالى جملة منها في الآيات المتقدمة وسيأتي في الآيات اللاحقة بعضها الآخر.