لدينا إنما حدث بعد خلق السموات والأرض ولا وجه لأخذ الحد الخاص الحاصل من خصوصيات عالم معين في معنى الكلمة الذي هو عام وشامل لجميع العوالم إلّا إذا كانت هناك قرائن معتبرة خارجية تدل على خصوصية معينة وحد خاص.
(الدِّينِ) : هو الجزاء ويوم الدين هو يوم الجزاء على الأعمال وحسابها ، كما في آيات كثيرة مثل قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [سورة غافر ، الآية : ١٧] ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة الجاثية ، الآية : ٢٨]. الى غير ذلك من الآيات المباركة.
والمستفاد من مجموع الآيات أنّ الإنسان من بدء حدوثه إلى خلوده هو في يومين : يوم العمل الذي يعبّر عنه ب (الدنيا) ويوم الجزاء المعبّر عنه ب (الآخرة) ، أو يوم القيامة ، أو غير ذلك.
وقد وصف الله تعالى هذا اليوم بأوصاف شتى كالعظيم ، قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [سورة مريم ، الآية : ٣٧] ؛ والمحيط كقوله تعالى : (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [سورة هود ، الآية : ٨٤] ، وبأنواع الحوادث العظيمة الهائلة قال تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) [سورة الحج ، الآية : ٢].
وكل ذلك لأجل بيان نهاية عظمة اليوم ؛ وقد لخصها الله تعالى في سورة الإنفطار بأحسن تلخيص وأكمل بيان وأتم دهشة ، وفي المقام مباحث تأتي في مواضعها المناسبة لها إن شاء الله تعالى.
وإنما ذكر الله عزوجل (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) مع أنه تعالى مالك لجميع ما سواه ولم يخرج عن ملكه شيء لأن يوم الدين مظهر ثبوت الوحدانية المطلقة والربوبية العظمى الإلهية عند الكل وانقهار الجميع تحت قهاريته وهو يوم ظهور فساد الشرك الذي توهمه النّاس بزعمهم وخيالهم فيوم الدين يوم يظهر فيه التوحيد الحقيقي والعدل الإلهي.
وإنما ذكر (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بعد (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ترغيبا لعباده