المباركة ، وإن الفاعل يستوجب غضبا على غضب على حسب مراتب الذنب كبيرة أو صغيرة.
قوله تعالى : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ). الهوان بمعنى الذلة وهو إما ممدوح عند الخالق والمخلوق ، وذلك في ما إذا طرح الإنسان عن نفسه جميع أنحاء الأنانية والتكبر كما قال تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [سورة الفرقان ، الآية : ٦٣] وهو من الخلق الكريم ، والروايات في مدحه متواترة ، ويكفي في حسنه سيرة النبي (صلىاللهعليهوآله) وخلفائه المعصومين (عليهمالسلام) وقد روى الفريقان عنه (صلىاللهعليهوآله): «المؤمن هيّن ليّن».
وإما مذموم وهو ما إذا حصل عن استخفاف الغير للإنسان واستذلاله له في غير ما اذن فيه الشرع ، ولا ريب في أنه مرجوح بل حرام ، وأما إذا كان بإذن منه ففيه تفصيلات مذكورة في الفقه.
والمراد به في المقام ذلك الذل والإهانة الحاصلان للإنسان من ارتكابه المعاصي والمحرمات الإلهية ، والكفر الموجب لخلوده في النار. وفي جعل الظاهر موضع المضمر ـ فلم يقل : ولهم عذاب مهين ـ إشارة إلى بيان التعليل في خلودهم في النار وهو الكفر.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا). ذكر سبحانه وتعالى مظهرا آخر من مظاهر استكبارهم وغرورهم ، وقد سبق أن قالوا : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) لم نفهم الإيمان ، ولا نعقل ما يدعو إليه الرسول (صلىاللهعليهوآله) وهنا ذكر تعالى اعتذارا آخر منهم والرد عليهم. أي : إذا قيل لليهود آمنوا بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله الكريم (صلىاللهعليهوآله) قالوا بغيا واستكبارا : نؤمن بالذي أنزل علينا من التوراة ولا نؤمن بغيرها ، وفي قوله تعالى : (آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) إشارة إلى أن المناط هو الإيمان بالذي أنزله الله تعالى سواء كان على موسى (عليهالسلام) أو محمد (صلىاللهعليهوآله) فإنّ الأنبياء إنما هم مبلغون عن الله تعالى. وفيه رد لمزاعم اليهود وغيرهم من أن الإيمان لا بد وأن يكون بالذي أنزل على نبي