عقلية ، أو حسية ، أو هما معا ، وبينات موسى (عليهالسلام) هي التوراة ، وما ذكره تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) [سورة الإسراء ، الآية : ١٠١] ، وهي العصا ، والسنون ، واليد ، والحجر ، والدم ، والطوفان ، والقمل ، والضفادع ، وفلق البحر وسيأتي التفصيل في سورة الإسراء. وهي آيات باهرات تدل على وحدانيته تعالى فلا مجال للشك والريب بعد مجيئها.
قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ). أي أنكم بعد أن وضح لكم الحق وظهر صدق موسى (عليهالسلام) في ما يدعيه من توحيد الله تعالى ، وأنه هو المعبود المطلق عدلتم إلى عبادة العجل واتخذتموه إلها لكم وأنتم ظالمون ، وأي ظلم أعظم من الشرك بالله تعالى ، والارتداد عن دينه ، وفيه من التوبيخ والتقريع العظيم لهم ويستفاد من هذه الآية المباركة أن الظلم الواقع منهم إنما كان بعد الإمهال لهم بالنظر في تلك الآيات البينات ، وإتمام الحجة ، وحينئذ يكون ظلمهم أعظم.
قوله تعالى : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا). تقدم شرح مثله في الآية المباركة ـ ٦٣ من هذه السورة إلّا أن في الآية السابقة ذكر سبحانه وتعالى : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) وهنا أمرهم بالفهم ، والمعنيان متقاربان ، فإن المراد من الذكر هو المذاكرة والحفظ كما أن المراد من السمع هو الفهم والعمل بالمسموع لا خصوص الدرك الظاهري من دون ترتيب الأثر عليه ، قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [سورة الأنفال ، الآية : ٢١] فإن السماع الحقيقي الذي يترتب عليه نظام الإفادة والاستفادة ، والتعليم والتعلم ، بل جميع الكمالات إنما هو العمل بالمدرك إن كان حقا لا نفس الإدراك من حيث هو ، إذ ليس فيه كمال حتّى يذكر ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٥] وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [سورة الزمر ، الآية : ١٨] وغير ذلك من الآيات المباركة الكثيرة. ولعل ذكر السمع هنا لصحة إردافه بقوله تعالى : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) وإلّا فالسمع والذكر في الحقيقة واحد كما عرفت.