أبدا. ويظهر من ذلك فساد حالهم وبطلان مقالهم.
قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). أي إنّ الله يعلم أنهم ظالمون لا تخفى عليه أعمالهم ونواياهم لو جحدوا ذلك ، وفيه من التهديد والتوعيد ما لا يخفى.
ثم إنّ التمني على أقسام : فتارة : يكون وهميا خياليا لا حقيقة له بوجه من الوجوه ، وهذا ضرب من الكذب ، ومن علامات الحمقى كما في الحديث. وأخرى : يكون تمنيا حقيقيا مقرونا بتهيئة الأسباب فإما أن يصل إلى الغاية ، أو لا يصل إليها لخروجها عن تحت اختياره فإن الله تعالى على كل شيء محيط ، وفي الحديث «العبد يدبّر والله يقدّر» وثالثة : ما يكون متعلقا بعالم الآخرة ونعيمها مع تهيئة الأسباب وتقديم الأعمال ، وهذا هو التمني المطلوب عقلا وشرعا ، وهو من مقاصد القرآن وسائر الكتب الإلهية ، فإنه من الإسراع في الوصول إلى المشتاق بل هو الغرض الأفضل على الإطلاق ، والتخلص من دار النوائب والمكاره والوصول إلى دار السعادة والراحة. ورابعة : التمني لدار الآخرة مع عدم تهيئة النفس وعدم تقديم الأعمال ، وهذا القسم مذموم عقلا وشرعا بل باطل عند كل ذي شعور له قوة التمييز بين الصحيح والسقيم. وتمني اليهود من هذا القسم ، ولذا أنكره تعالى عليهم.
قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ). الحرص شدة طلب الشيء والإفراط فيه ، بيّن سبحانه وتعالى حقيقة حالهم فإنه بعد أن ذكر أنهم لن يتمنوا الموت أبدا قال سبحانه : إنهم يحبون الحياة ويؤثرون البقاء ولهم في ذلك حرص شديد ليس لهم في النّاس من نظير ، وهذا واضح لمن انغمر في الماديات وسلبت قواه وغرّته الحياة الدنيا وزبرجها فاتخذ إلهه هواه فلم يؤمن بما وراءها شيئا ، وهم الذين حكى الله تعالى عنهم في قوله : (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) [سورة البقرة ، الآية : ٨٦]. وتنكير الحياة للتحقير أي : يحبون البقاء في الحياة ولو كانت حياة بؤس وشقاء ، أو كانت قليلة ، لأنه يعلم بأنه يرد إلى أشد العذاب.