وسببا لنزولها ، وسيأتي في البحث الروائي الكلام عنه.
قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ). مادة (ع د و) تأتي بمعنى التجاوز عن الحد المعين في الشيء ، وللتجاوز موارد كثيرة ، فإذا كان التجاوز في الميل القلبي يطلق عليه العداوة والمعاداة ، وفي الاقتصار في المشي يطلق عليه العدو ، وفي المرض يطلق عليه العدوى وفي المعاملات والمجاملات يطلق عليه العدوان والتعدي والاعتداء ، إلى غير ذلك من موارد استعمالاته في المحاورات. وقد ذكرت هذه المادة في القرآن الكريم بجملة كثيرة من متفرعاتها ، وهي بالمعنى الحقيقي ممتنعة بالنسبة إليه عزوجل ، إذ لا يعقل التجاوز بالنسبة إلى من هو غير متناه من حيث القدرة والغلبة والقهارية. نعم يصح بالمعنى الاعتقادي ، وهو يرجع إلى مخالفته في الإعتقاد والعمل. هذا وإن أرجعنا عداوته إلى عداوة أنبيائه وأوليائه يصح بالمعنى الحقيقي أيضا ، وكذلك إن أرجعناها إلى عقابه.
وإنّما أضاف سبحانه وتعالى العداوة إلى نفسه تشريفا لملائكته ورسله وأوليائه ، وفي الحديث : «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» وقد وردت آيات وروايات دالة على حسن مخالطته تعالى مع عباده على ما يأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى ، وليس المراد بالمخالطة ما هو المنساق من ظاهر اللفظ ، بل ما قاله علي (عليهالسلام): «داخل لا بالمجانسة ، وخارج لا بالمباينة ، فبينونته تعالى بينونة صفة لا بينونة عزلة». كما أنّ في ذكر نفسه أولا ثم الملائكة والرسل إشعارا بعدم الفرق في هذه العداوة بينه تعالى وبينهم ، لأنهم مظاهر آياته وأولياء خلقه ووسائط فيضه.
قوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ). تقدم وجه اشتقاقهما. واتفق جميع الفلاسفة على أنّ الملائكة ذوات مجردة ليست من الماديات إلّا أنّ فلاسفة المسلمين ذكروا أنّها جواهر مجردة ، والمتكلمون منهم يقولون : إنّها أجسام لطيفة لعدم ثبوت الجواهر المجردة عندهم. وشبهوا الأجسام