بالنسبة إليهم ، من باب التطبيق لا التخصيص ، أو بيان غاية قبح السحر. ثم بيّن تعالى بعض وجوه كفرهم بما ذكره جل شأنه.
قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ). ليفتنوهم عن دينهم ويضلوهم عن سبيل الحق ، وفي الآية المباركة إشارة إلى قبح السحر بل إيجابه الكفر ، وقد عبّر في الأحاديث عن السحر بالكفر ، فعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) «السحر والشرك مقرونان» ، وعن علي (عليهالسلام): «من تعلم شيئا من السحر ـ قليلا أو كثيرا ـ فقد كفر».
قوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ). الملكين (بفتح اللام) تثنية الملك [بالفتح] ، وهي القراءة المشهورة ، وصريح بعض الروايات كما يأتي في البحث الروائي ، وقرأ بعضهم ملكين (بكسر اللام) تثنية الملك ، ولم يعهد ذلك في التاريخ ، ولو كان لشاع وبان ، وقد ذكروا في توجيه ذلك أمورا لم يقم عليها دليل من العقل أو النقل فالأولى الإعراض عن ذكرها.
وكيف كان فهما ملكان بعثهما الله تعالى لإتمام الحجة على شعب بابل ليعلّموا مضار السحر ، ويدفعوا به عن سحر السحرة وكيد الشياطين ، ولعل ذلك كان مقدمة لظهور دعوة أنبياء الله تعالى ، وإيذانا بزوال دعوة الشياطين إلى السحر والكهانة ونحوهما من الأباطيل ، وسيأتي معنى الإنزال.
قوله تعالى : (بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ). بابل هي المدينة المعروفة في العراق عاصمة البابليين أعظم مملكة في المعمورة في ذلك الحين. وقد دلت التواريخ على أنها كانت أقوى مركز للسحر والكهانة في تلك الأعصار ، بل ليس في الحضارات كلها حضارة أغنى في الخرافات من الحضارة البابلية. كما أنها كانت مركزا تجاريا هاما يؤمها التجار فكانت مورد اختلاف النّاس من أطراف العالم لأغراضهم الدنيوية ، ولذلك كثر تردد أنبياء الله (عليهمالسلام) إليها لإظهار الحجة والبيان عليهم في كل فرصة يجدونها ، فالقادسية (بانيقا) موجودة حتّى الآن قرب بابل ، وهي محل رعي